القطع بالصدور فيظهر أنّ الكتاب واصل اليه بالتواتر أو ما في حكمه. فالرواية صحيحة السند لكنها قاصرة الدلالة ، لعين ما مرّ في الصحيحة السابقة من المناقشة الاولى ، أعني ورودها في الالتفات في الأثناء إلى الخلف أو اليمين أو اليسار ، لا في اعتبار أصل الاستقبال الذي هو محل الكلام.
ثالثها : ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة قال « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء؟ قال : النافلة كلّها سواء ، تومئ إيماءً أينما توجهت دابّتك إلى أن قال قلت : فأتوجه نحوها في كلّ تكبيرة؟ قال : أمّا النافلة فلا ، إنّما تكبّر على غير القبلة الله أكبر ، ثم قال : كلّ ذلك قبلة للمتنفّل ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) » (١) فإن موردها وإن كان الصلاة في خصوص السفر ، إلا أنّه يستفاد من قوله عليهالسلام في الذيل : « كل ذلك قبلة للمتنفل » مستشهداً بالآية المباركة الذي هو بمنزلة التعليل لما تقدمه إرادة تطبيق كبرى كلية على المقام من دون خصوصية للمورد ، وأن قبلة المتنفل على الإطلاق إنما هي حيث ما توجه ، والتنفّل في السفر من مصاديق تلك الكبرى ، وإلا فالحكم يعم المسافر والحاضر حال السير والاستقرار.
والإنصاف : أنّ الرواية قوية الدلالة ، فيصح الاستدلال بها لولا أنّها ضعيفة السند ، فانّ الروايات التي تضمنها تفسير العياشي بأجمعها مرسلة ، نشأ ذلك من حذف المستنسخ أسانيد الحديث روماً للاختصار ، زعماً منه أنّه خدمة ، غافلاً عما يترتب عليه من إسقاط تلك الروايات برمتها عن درجة الاعتبار ، سامحه الله وغفر له.
وقد تحصّل من جميع ما تقدم : أنّ الأقوى اعتبار الاستقبال في النافلة حال الاستقرار ، لتمامية المقتضي وعمدته صحيحة زرارة : « لا صلاة إلا إلى القبلة » (٢) وعدم وجود المانع كما عرفت.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣٢٤ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٥٦ / ٨١.
(٢) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ٢.