ماؤه لا نفسه من قشر ونحوه ، فيرجع بالأخرة إلى أنّ موضوع الحكم والركن الركين فيه إنّما هو العصير العنبي ، ولا شكّ في انعدام هذا الموضوع في حال الزبيبية ، فان الزبيب عنب جاف قد انعدم عصيره قطعاً ، وأمّا الماء الخارجي الملقى عليه عند الغليان فهو موضوع آخر مباين مع العصير العنبي ، يشكّ في حلّيته وحرمته من أوّل الأمر.
أقول : ما أفاده قدسسره من عدم جريان الاستصحاب التعليقي في حدّ نفسه وإنكاره من أصله فهو في محلّه كما تعرضنا له في الأُصول (١).
والوجه في ذلك على سبيل الإجمال : أنّ الحكم المجعول لا واقع له إلا في مرحلتين لا ثالث لهما : إحداهما مرحلة الجعل والتشريع ، والأُخرى مقام الفعلية والتطبيق.
ففي مرحلة الجعل يجعل الحكم على الموضوع المقدّر وجوده ، ولا نظر في ذلك إلى وجود الموضوع خارجاً وعدمه كما هو مقتضى جعل الأحكام على سبيل القضايا الحقيقية ، ومن هنا ذكرنا غير مرة أنّها راجعة إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع ، وتاليها ترتب الحكم. فمرجع قولنا : المستطيع يحج ، إلى قولنا : إذا وجد في الخارج مكلّف وكان مستطيعاً وجب عليه الحج.
وبالجملة : فبعد الجعل يتحقق الحكم في عالم التشريع حقيقة ، وجد له موضوع في الخارج أم لا. ولا رافع له إلا النسخ ، ولو شكّ في رفعه لاحتماله جرى استصحاب عدم النسخ بلا كلام.
وفي مرحلة الفعلية يخرج الحكم عن مقام الفرض والتقدير إلى مقام التحقق والتطبيق ، وذلك عند ما يتحقق الموضوع خارجاً بما له من القيود المأخوذة فيه فاذا وجد المستطيع خارجاً بما له من بقية الشرائط المعتبرة وجب الحج وصدق حقيقة أنّه ثبت حكم في الخارج بعد أن لم يكن. وارتفاع هذا الحكم إنّما هو بانعدام الموضوع إمّا بنفسه أو بفقد قيد من القيود المعتبرة فيه ، من دون
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٣٤.