ثم إنّه لو التفت في الأثناء إلى استدباره أو انحرافه إلى نقطتي المشرق والمغرب لا إشكال حينئذ في البطلان ولزوم استئناف الصلاة بمقتضى الموثق المتقدم مع سعة الوقت لذلك ، وأما لو لم يسع للإعادة كما لو التفت إلى استدباره وهو في التشهد الأخير من صلاة العصر مثلاً ، وكان الوقت ضيقاً بحيث لو أراد الاستئناف لم يدرك الوقت حتى بمقدار ركعة فهل الصلاة حينئذ محكومة بالصحة فيتمها مستقبلاً ، أو أنها باطلة فيقضيها خارج الوقت؟ وجهان بل قولان ، اختار أولهما المحقق الهمداني قدسسره (١) وجماعة ، بل ذكر قدسسره أنّه لو لم يتمكن من الاستقامة ورعاية الاستقبال في بقية الصلاة لمانع خارجي فاضطر إلى إيقاع الصلاة بتمامها مستدبراً صحت ، وسقط اشتراط الاستقبال ، فضلاً عن مثل المقام الذي يتمكن فيه من رعايته في بقية الأجزاء فيستعدل ويتم مستقبلاً.
وأفاد قدسسره في وجهه أنّ الأمر حينئذ دائر بين رعاية الوقت أو الاستقبال ، ولا ريب أنّ الأول أولى ، لما ثبت أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، فيتعين عليه إتمام الصلاة تحفّظاً على الوقت ، ولا يسوغ له القطع والقضاء خارجه لإدراك القبلة ، لتقدم الأول على الثاني لدى المزاحمة.
وبالجملة : اشتراط الاستقبال مختص بحال التمكن ، فما صدر منه قبل استبانة الخطأ قد وقع صحيحاً ، لكونه معذوراً حال الفعل من رعاية الاستقبال عذراً مستوعباً لتمام الوقت ، لأجل عدم تمكنه من إعادته أداءً على الفرض ، وأمّا بعد الاستبانة فتجب الاستقامة مع التمكن وتصحّ الصلاة ، لعدم الإخلال بالشرط حينئذ في شيء من الأجزاء.
وأمّا موثّق عمّار المتضمّن لإطلاق الأمر بالقطع فهو منصرف أو مصروف عن مثل الفرض ، جمعاً بين الأدلّة.
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١١٤ السطر ٢٩.