« فإنّه لم يوجهها » أي لم يتحقق الاستقبال ، قبال الفرض الأوّل الذي تحقق فيه صدفة. وعليه فالصحيحة تدلّ على خلاف المطلوب ، لدلالتها حينئذ على المنع عن الأكل لو ذبح لغير القبلة جهلاً.
الثاني : أنّ الجامع بينهما هو الذبح لغير القبلة ، والمقابلة بينهما باعتبار أنّ السؤال الأول عما لو صدر الذبح عن جهل فحكم عليهالسلام بالجواز والثاني عما لو صدر عن علم وعمد فحكم بالمنع ، فقوله : « فإنّه لم يوجهها » أي تعمّد الذبح لغير القبلة عالماً. وعلى هذا تدل الصحيحة على المطلوب ، لدلالتها على حلية ما ذبح لغير القبلة جاهلاً.
ثم رجّح قدسسره الاحتمال الثاني ، لموافقته لفتوى المشهور.
وليت شعري بعد فرض تساوي الاحتمالين وتكافئهما فهل يقدّم أحدهما لمجرد المطابقة مع فتوى المشهور. نعم ، لو علم استنادهم إليها وأنّهم استظهروا منها الاحتمال الثاني بما أنّهم من أهل العرف صح الترجيح ، لكشفه حينئذ عن ظهور الصحيحة في ذلك ، لكن الاستناد غير ثابت.
والصحيح أن يقال : إنّ الصحيحة في حدّ نفسها ظاهرة في الاحتمال الثاني لضعف الأوّل غايته ، إذ من المستبعد جدّاً أنّ محمد بن مسلم على جلالته يجهل حلّية ما ذبح إلى القبلة وإن كان عن جهل ، بحيث يحتاج إلى السؤال عمّا لو ذبح الجاهل وصادف القبلة ، أفهل ترى أنّه يحتمل اعتبار العلم في الحكم بالحلّية مع أنّه غير معتبر حتى في العبادات المفتقرة إلى نية التقرب فضلاً عن مثل الذبح الذي هو عمل توصّلي ، فإن من صلّى متستراً متطهراً في غير الحرير يحكم بصحة صلاته وإن كان جاهلاً باعتبار هذه الأُمور ونحوها في الصلاة بلا إشكال.
وبالجملة : فالنصوص المتقدمة وإن كانت قاصرة الشمول للجاهل بالحكم لكن هذه الصحيحة تدل بظاهرها على انسحاب الحكم بالنسبة إليه أيضاً ، فهي المستند في التعميم.