سلوك الطّريق الظّن مع التّمكن من تحصيل الواقع لأحد أمرين : إمّا دوام مطابقة الأمارة للواقع ، أو ملاحظة مصلحة في الأمر بسلوك الأمارة يتدارك بها ما يفوت من جهة سلوكها من مصلحة الواقع ، على تقدير الخطأ ؛ لئلاّ يكون الأمر بسلوكها نقضا للغرض وتفويتا للواقع. نعم ، علم التكلّف بالأمر الأوّل مانع عن جعلها كما هو ظاهر. ومن هنا يحكم بحجيّة بعض الأمارات دون بعض مع الانفتاح.
وأمّا حكمه بعدم الحجيّة وإلغاء ظنّ في زمان الانسداد فلا بدّ أن يستند إلى أحد أمرين أيضا : أحدهما : غلبة مخالفته للواقع. ثانيهما : اشتمال سلوكه على مفسدة غالبة على مصلحة إدراك الواقع من سلوكه أحيانا ، فلا يلاحظ في حكمه على الأوّل إلاّ الإرشاد ، ولمّا كان حكم العقل بلزوم العمل بالظّن في زمان الانسداد وتقديمه على غيره من حيث كونه أقرب إلى إدراك الواقع ومصلحته فلا محالة يكون الظّن المخالف للواقع غالبا ، أو المشتمل على المفسدة ، خارجا عن موضوع حكم العقل ، فلا يكون خروجه تخصيصا في الدّليل العقلي هذا.
وستقف على شرح بعض ما ذكرناه فيما نذكره بعد ذلك.
(٣٩) قوله قدسسره : ( واستوضح ذلك من حكم العقل من حرمة العمل بالظّن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٢٦ )
أقول : واستوضح ذلك أيضا من الظّن الّذي علم اعتباره في زمان الانسداد ، لا من جهة دليل الانسداد ، بل من جهة قيام دليل عليه بالخصوص إذا فرض عدم كفايته في الفقه فيكون من الظّن الخاصّ ؛ إذ كما أنّ دليل الانسداد لا يشمل لهذا الظّن لحصول القطع بالبراءة من العمل به ولا يكون خروجه تخصيصا في الدّليل العقلي ، بل تخصّصا وخروجا عن الموضوع ، كذلك لا يشمل الظّن الّذي علم عدم