أكثر الوقائع عند الدّوران ، لما كان حسنا في حكم العقل نظير ارتكاب أقلّ القبيحين عند الدّوران فلا محالة يجوّز العقل نهي الشارع عن العمل بجميع جزئيّات الأمارة المخالفة للواقع كثيرا ، ولو بالنّسبة إلى الجزئي الّذي يظنّ كونه مطابقا للواقع من جهة الظّن بكون موارد المخالفة غير ما حصل الظّن فيه من الأمارة كما فيما ذكره من المثال في « الكتاب ».
فلا يتوهّم : أنّ ملاحظة هذا المعنى نوع من ملاحظة المصلحة في النّهي كمصلحة التّسهيل فيرجع هذا الوجه إلى سابقه ؛ حيث إنّ ملاحظة حفظ الواقع في موارد الأمارة المنهيّ عنها عين الطّريقيّة كما لا يخفى.
وليس ما يقابل الأمارة المنهيّ عنها أمرا واحدا دائما حتّى يقال : بأنّ ارتفاع الظّن منها غالبا من جهة كثرة الخطأ يوجب حصول الظّن ممّا يقابلها ، مع أنّه لا يقدح فيما نحن فيه بصدده من القول بحرمة العمل به حتّى في مورد حصول الظّن منه.
(٤٤) قوله قدسسره : ( ألا ترى أنّه يصحّ أن يقول الشّارع : ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٣١ )
توهّم التدافع بين كلامي المصنّف والجواب عنه
أقول : قد يتوهّم التّدافع بين ما أفاده وما ذكره قبل ذلك عن قريب بقوله :« فإنّ الظّن ليس كالعلم ... إلى آخره » (١) بل بينه وبين ما أفاده من أوّل « الكتاب » إلى هذا المقام مرارا : من عدم إمكان نهي الشارع عن العمل بالعلم ، فإنّ مقتضى ما أفاده في المقام إمكان نهي الشارع عن العمل بالعلم بإظهار عدم إرادة المعلوم عن
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٣٠.