فيقال علي المناقشة المزبورة :
إنّ ما يكون من مقولة الاعتقاديّات لا يخلو إمّا أن يجب تحصيل معرفته أولا يجب ، بل إن حصلت المعرفة حصل الاعتقاد قهرا ووجب الالتزام والتّدين بمقتضاه وإن لم يحصل فلا يجب تحصيل المعرفة الظّنّية ولا التّدين بمقتضاها لو فرض حصولها ، كما لم يجب تحصيل المعرفة العلميّة ، بل على تقدير حصول المعرفة الظّنية يحرم التّديّن والالتزام بها لما دلّ على حرمة التّدين بغير العلم.
ثمّ إنّه يعلم ممّا ذكرنا كلّه : فساد ما قيل أو يقال : من أنّ هنا شيئا آخر معتبرا في الإيمان غير مجرّد العلم وهو الحبّ في قبال العناد والعزم على الإقرار وغير ذلك ، فإنّ اعتبار هذه الأمور في الإيمان على القول به لا تعلّق له بمغايرة العلم للاعتقاد وإن عقد القلب بشيء غير العلم به فإنّ وجود أمور قلبيّة غير العلم سواء اعتبرت في الإيمان أو بعض مراتبه أو لا ، ممّا لا ننكره أصلا.
كما أنّه يظهر منه فساد الاستشهاد بالآيات والأخبار الظّاهرة في اعتبار القول والإقرار زائدا على الاعتقاد في الإيمان والإيجاب الإنكار والجحود للكفر مثل قوله تعالى : (الّذين يقولون آمنّا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم) (١) وقوله
__________________
(١) الحجرات : ١٤ والصحيح : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).