وعلى الاكتفاء بالعلوّ الخالي عن ملاحظة الاستعلاء بأنّ من الظاهر في العرف إطلاق « الأمر » على الصيغ الصادرة من الأمير بالنسبة إلى الرعيّة والسيّد بالنسبة إلى العبد ، وإن كان المتكلّم بها غافلا عن ملاحظة علوّه حال الخطاب كما يتّفق كثيرا.
وممّا يرشد إلى ذلك انحصار الطلب الصادر من المتكلّم في الأمر والالتماس والدعاء ، ومن البيّن عدم اندراج ذلك في الأخيرين فلابدّ من اندراجه في الأوّل.
والمحكيّ من حجّة القول الخامس أوّلا : قياس « الأمر » على الخبر ، وثانيا : قوله تعالى حكاية عن فرعون لملائه ( فَما ذا تَأْمُرُونَ )(١) وقول عمرو بن العاص لمعاوية : « أمرتك أمرا جازما فعصيتني » وقول الآخر ليزيد بن المهلب : « أمرتك أمرا جازما فعصيتني فأصبحت مسلوب الإمارة نادما ».
والجواب أمّا عن حجّة القول الأوّل فعن وجهها الأوّل : بأنّ ما ذكر في الاستدلال من صدق « الأمر » مسلّم إن كان القائل عاليا ولكنّه لا يقضي باعتبار الاستعلاء ، وإنّما هو لأجل العلوّ من دون أن يكون للاستعلاء مدخل فيه ، والّذي يرشد إليه صدق « الأمر » فيما لو صدر عنه الصيغة مع ذهوله عن علوّه وارتفاعه ، مع أنّه لا استعلاء فيه من جهة أنّ إظهار علوّ النفس وارتفاعها باعتبار الرتبة يلزمه عدم الغفلة والذهول. وأمّا لو كان مساويا بجميع الجهات الآتية أو دانيا بواحد من الاعتبارات فقول « الأمر » بما صدر منه من الصيغة بمكان من المنع ، كيف ولو أخبر المساوي عن نفسه بالأمر أو أسنده إلى نفسه بقوله : « أمرته بكذا » مع ثبوت مساواته يوجب الضحك ويرمي بكونه مزاحا واستهزاء ، كما أنّه لو قال به الداني بالقياس إلى من هو أعلى منه رتبة بعد ظهور حاله يكون مستهجنا ومستقبحا ، وكلّ ذلك آية ورود هذا الإطلاق في غير محلّه.
وعن وجهها الثاني فأوّلا : بمنع جعلهم الفارق بين الامور المذكورة كون الطلب على سبيل الاستعلاء وغيره ، كيف وأنّ الواقع في كلامهم ليس إلاّ إناطة الفرق بعلوّ الرتبة ومساواتها ودنائتها.
وثانيا : منع اعتبار هذا الفرق ـ على تقدير تسليمه ـ في كلام بعضهم ، كيف وما قرّرناه من شواهد العرف يوجب الوهن في ذلك.
ومن هنا ينقدح ما في الإسناد إلى الأكثر ونقل الاتّفاق من الوهن الموجب لسقوط
__________________
(١) الشعراء : ٣٥.