التقييد بقولنا : « مقدورا » مبنيّ على الإغماض عمّا سنذكره فيما بعد من أنّ الكلام بعد الوجوب لا قبله ، إذ كلّ ما وجب فمقدّمته مقدورة البتة وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق ».
ولقد نقلنا ما ذكره فيما بعد بعين عبارته ، وغرضه بذلك الاعتراض على القيد بنحو ما مرّ من أنّ الكلام في مقدّمات ما وجب بالفعل لا ما يجب فيما بعد ، والواجب بالنسبة إلى مقدّمته الغير المقدورة مشروط ، ومعه لا حاجة إلى اعتبار هذا القيد إمّا لخروج الواجب المشروط بكون الواجب حقيقة في المطلق ومجازا في المشروط ، أو لكفاية ما اعتبرتم من قيد « الإطلاق » في إخراج ذلك.
ووافقه في ذلك الاعتراض جماعة فقالوا : بأنّ قيد « الإطلاق » يقضي بخروج الواجب المشروط مطلقا ، إذ لا ريب في أنّ التكاليف كلّها مقيّدة بالنسبة إلى القدرة على نفس الواجب وعلى مقدّماته ، فلا يكون الأمر بالشيء مع عدم القدرة على مقدّمته مطلقا ليحتاج في إخراجه إلى التقييد بكونها مقدورة.
وأجاب عنه المحقّق الخوانساري رحمهالله : بأنّ الواجب المطلق ليس بالنسبة إلى مقدّماته الغير المقدورة من قبيل الواجب المشروط الّذي هو عبارة عندهم عمّا توقّف وجوبه على وجود المقدّمة ، إذ ليس وجوبه مشروطا بوجود تلك المقدّمات بل مشروط بمقدوريّتها فيكون الواجب بالنسبة إليها من قبيل المطلق.
ثمّ قال : نعم يرد على هذا أيضا أنّه لا حاجة إلى القيد المذكور ، لأنّ المقدّمة حينئذ أيضا واجبة على القول بوجوبها لكن وجوبها مشروط بمقدوريّة المقدّمة فلا حاجة إلى القيد ، إذ لا شكّ أنّ ما يقال وجوب الشيء يستلزم وجوب مقدّمته ليس معناه أنّه يستلزم وجوب مقدّمته مطلقا من دون اشتراطه بشيء أصلا ، بل ظاهر أنّ المراد وجوبها مثل وجوب ذي المقدّمة ، فإن كان وجوبه مشروطا بشيء كان وجوبها أيضا كذلك وإلاّ فلا.
ووافقه على هذا الإيراد مع الجواب عمّا ذكره الجماعة في وجه القيد شيخنا الاستاد ـ زيد فضلا ـ فقال : بمنع اختصاص النزاع بما عدا الواجب المشروط ، مع منع كون الواجب موقوفا وجوبه على غير المقدورة من المقدّمة بل هو موقوف على القدرة على نفسه ، فكونه مشروطا إنّما هو بالإضافة إلى القدرة لا الغير المقدور ، فهو بالإضافة إليه مطلق كالمسافة بالنسبة إلى الحجّ إذا فرض كونها غير مقدورة ، فإنّ الحجّ بالنسبة إليها مطلق لعدم توقّف وجوبه على وجودها ، ولا منافاة بين كونه مشروطا من جهة ومطلقا من اخرى ، لما