على ما ينبغي ، لأنّ الوجوب في الجميع مشروط فيكفي في إخراجها ما اعتبره أوّلا في الأمر من قيد « الإطلاق » بعد الإغماض عمّا قدّمنا ذكره من عدم الحاجة إلى هذا القيد أيضا.
وممّا قرّرناه أيضا من امتناع تعلّق الوجوب بغير المقدور مطلقا تبيّن فساد ما أفاده بعض الأعلام من « أنّ المقدّمة لا تنحصر فيما كان مقدورا للمكلّف ، بل الغير المقدور قد يكون مسقطا عن المقدور وفعل الغير نائبا عن فعل المكلّف ، فإنّ من وجب عليه السعي في تحصيل الماء للوضوء إن فاجأه من أعطاه الماء فسقط عنه ذلك السعي ويكون فعل الغير نائبا عن فعله ، فالمقدّمة هو القدر المشترك بين المقدور وغير المقدور والقدر المشترك بينهما مقدور ، فالقائل بوجوب المقدّمة إنّما يقول بوجوب القدر المشترك » فإنّ القدر المشترك بما هو قدر مشترك غير مقدور ولا يعقل تعلّق الوجوب بغير المقدور ، سواء أراد بذلك القدر المشترك الأمر الانتزاعي كمفهوم أحدهما ، أو الأمر المعنوي وهو ما أسقط وجوب الامتثال سواء كان فعل المكلّف نفسه أو فعل الغير نائبا عن فعله ، بل الواجب على التقديرين هو الفرد المقدور بالضرورة والقائل بوجوب المقدّمة لا يدّعي أزيد من ذلك.
كيف وقد أطبقوا في العنوان على أخذ ما يوجب خروج غير المقدور مصرّحين بعدم كونه من محلّ الخلاف ، ومجرّد كونه مسقطا عن المقدور ورافعا لوجوبه لا يقضي بالوجوب فيه ، حيث لا ملازمة بين الإسقاط والوجوب كسقوط ما في الذمّة بأداء الغير وسقوط إزالة النجس عن المسجد بسبق السيل أو المطر إليه ، مع أنّ الوجوب في الصورتين ثابت بعنوان الجزم واليقين.
وإذ قد عرفت سابقا أنّ المقدّمة تنقسم إلى داخليّة وخارجيّة ، والخارجيّة إلى السبب والشرط.
فاعلم أنّ الداخليّة وهو الجزء له أجزاء وأسباب وشروط ، وكلّ سبب أيضا له أسباب وشروط وأجزاء ، وكلّ شرط أيضا له شروط وأجزاء وأسباب ، وكذلك قد يكون لكلّ جزء من أجزاء كلّ ولكلّ سبب من أسباب كلّ ولكلّ شرط من شروط كلّ أجزاء وأسباب وشروط.
فلا يذهب إليك توهّم لزوم التكرار في الوجوب والطلب بناء على وجوب مقدّمة الواجب ، نظرا إلى أنّ كلّما ذكر مقدّمة لكلّ مقدّمة وهي إذا صارت واجبة فيتعلّق الوجوب بتوسّطها بإيجاد مقدّماتها المندرجة تحتها ، والمفروض أنّ مقدّمة الواجب واجبة فتصير كلّ واحدة من تلك الآحاد واجبة من هذه الجهة أيضا وهو تكرار في الوجوب ، بل ربّما يتّفق