تعلّق الوجوب بشيء واحد مرّات عديدة إذا كان مقدّمة لمقدّمة مقدّمة الواجب وهكذا ، وهو كما ترى ممّا لا يصغى إليه ، لأنّ التكرار إنّما يلزم إذا كان بين كلّ ومقدّماته ترتّب بحسب الواقع في نظر الآمر ، بأن يكون بحيث قد حدث منه بالنسبة إلى كلّ واحدة ملاحظة والتفات بانفرادها على سبيل الترتّب وذلك في حيّز المنع ، بل الترتّب لو كان ولابدّ منه فهو اعتباري لم يجعله الآمر معتبرا أصلا ، فإنّ الامور المذكورة الّتي بعضها شرائط للواجب وبعضها لأجزائه وبعضها لأسبابه وبعضها لشرائطه وهكذا كلّها في درجة واحدة في نظره ، لما في الجميع من كفاية التفات واحد موجب لكفاية طلب واحد ، وإيجاب واحد ، من دون أن يفتقر كلّ واحدة إلى التفات مستقلّ ليحتاج إلى طلب منفرد حتّى يلزم ما ذكر من التكرار ، لا بمعنى أنّ المقدّمة مطلوبة بنفسها فيكفي طلبها عن طلب مقدّماتها فإنّه ضروريّ الفساد ، بل بمعنى أنّ قولنا : « مقدّمة الواجب واجبة » معناه أنّ الشارع لاحظ الواجب الّذي هو ذو مقدّمة مكيّفا بجميع كيفيّاته فطلبه بإنشاء واحد وهو طلب واحد يستلزم مطلوبيّة مقدّماته ومقدّمات مقدّماته ، فلا تعدّد في شيء من الالتفات والطلب فلا تكرار أصلا وذلك واضح.
ثمّ إنّه قد أشرنا سابقا إلى أنّ الوجوب له معان ليس من محلّ النزاع إلاّ بعضها :
منها : الوجوب العقلي المعبّر عنه باللابدّية ، وكون الشيء من ضروريّات شيء آخر ، وهو بهذا المعنى ممّا لا إشكال في ثبوته بل لا خلاف فيه أيضا كما صرّح به غير واحد ، وفي كلام جماعة دعوى الاتّفاق عليه ، وكيف يعقل فيه الخلاف مع أنّ كون المقدّمة من ضروريّات وجود ذي المقدّمة معنى كونها مقدّمة ، فإنكار وجوبها بهذا المعنى في معنى إنكار كونها مقدّمة ، فيعود النزاع على هذا التقدير إلى كونه صغرويّا وهو ليس ممّا عقد له الباب ، بل هو بهذا المعنى لا يختصّ بمقدّمة الواجب ليكون من محلّ النزاع بل يعمّها ومقدّمة المندوب والمباح والمكروه والمحرّم ، فمعنى وجوب الوضوء لصلاة النافلة أنّه من لوازمها وضروريّات وجودها ، وممّا لابدّ منه فيها.
والضابط الكلّي أنّ كلّ شيء يكون ممّا يتوقّف عليه شيء آخر في وجوده الخارجي فهو واجب بالقياس إليه ، أي ممّا لابدّ منه في وجود ذلك الشيء.
ومنها : ما ينضاف إلى الشيء بالعرض بواسطة إضافته إلى ما هو ملزوم له من دون توقّفه عليه في وجوده الخارجي ، ويعبّر عنه بوجوب لوازم المأمور به الّتي ليست بمقدّمات له بل تكون بحيث لا ينفكّ وجود المأمور به عنها ، كالاستقبال إلى الامور الواقعة في جهة