القبلة ، اللازم لاستقبال نفس القبلة لعدم انفكاكه عن استقبالها ، فيكون ذلك أيضا محبوبا للآمر بالاستقبال لأجل كونه لازما للمأمور به ومبغوضا تركه عنده من جهة أنّه يلزم من تركه ترك المأمور به.
والفرق بينه وبين المعنى الأوّل ممّا بين السماء والأرض ، إذ المعنى الأوّل كما عرفت عبارة عن مجرّد اللابدّية من دون محبوبيّة ولا مبغوضيّة ولذا عمّمناه بالنسبة إلى المباح والمكروه والمحرّم بخلافه الثاني ، فإنّه مرتبة بعد الاولى تستلزم المحبوبيّة في الفعل والمبغوضيّة في الترك كما هو واضح ، وهو أيضا ممّا لا ينبغي التأمّل في عدم كونه محلاّ للنزاع ، لصلوحه للاتّفاق على ثبوته كما لا يخفى.
هذا على ما يتخيّل في بادئ النظر ، ولكن في الفرق بينه وبين الوجوب التبعي في المقدّمة بالمعنى الآتي نظرا قد تقدّم إليه الإشارة إجمالا.
بل الّذي يقتضيه دقيق النظر عدم الفرق بينهما ، وإن توهّمه بعض الأفاضل ووافقه شيخنا ـ دام ظلّه ـ فإنّ مناط ثبوت الوجوب بهذا المعنى في المقدّمات جار بعينه في اللوازم الّتي ليست بمقدّمات.
وقضيّة ذلك أن يقال : إنّ الوجوب التبعي ما كان ثابتا في اللوازم تبعا لوجوب الملزومات ، سواء كانت اللوازم بحيث يتوقّف عليها الملزومات في وجودها الخارجي أو لا.
ومنها : الطلب الإرشادي الّذي هو عبارة عن مجرّد إبراز المصلحة وبيان الواقع ، ويلقى إلى المخاطب بصورة الاقتضاء وليس باقتضاء حقيقة ، نظير طلب الإطاعة وترك المعصية بالنظر إلى المأمور به.
وهو أيضا ليس من محلّ النزاع ، بل لا ينبغي النزاع فيه إذ الطلب الإرشادي للمقدّمة طلب لا دخل له في طلب ذي المقدّمة ، لأنّه إنّما يأتي من جانب العقل بعد ملاحظة تعلّقه بذي المقدّمة ، وذلك لأنّ ترك المقدّمة لمّا كان مؤدّيا إلى الوقوع في المهلكة ـ وهو ترك ذي المقدّمة المستلزم لاستحقاق العقاب ـ فالعقل يلزمنا بالإتيان بها تحفّظا عن الوقوع في المهلكة المذكورة ، كما هو دأبه في فعل كلّ ما أمر به وترك كلّ ما نهى عنه.
والمراد بوجوب المقدّمة في محلّ النزاع هو الّذي يستفاد عن وجوب ذيها تبعا ، لا ما يتعلّق بها بحكم العقل إرشادا بعد وجوب ذيها.
فحاصل ما قرّرناه ـ مضافا إلى ما تقدّم سابقا ـ عدم كون النزاع في الوجوب النفسي