ولا الأصلي كما توهّمه بعض الأعلام (١) ولا فيه بمعنى اللابدّية ، ولا بمعنى وجوب اللوازم ،
__________________
(١) قوله : ( كما توهّمه بعض الأعلام ... الخ )
واعلم أنّ من الأعلام من يستفاد منه كون النزاع في الوجوب النفسي الأصلي دون الغيري التبعي ، بل هو صريح كلامه حيث قال : « وأمّا القائل بوجوب المقدّمة فلابدّ أن يقول بوجوب آخر غير الوجوب التوصّلي ، ويقول بكونه مستفادا من الخطاب الأصلي ، وإلاّ فلا معنى للثمرات الّتي أخذوها لمحلّ النزاع ، فلابدّ لهم من القول بأنّها واجبة في حدّ ذاتها أيضا كما أنّها واجبة للوصول إلى الغير ، ليترتّب عليه عدم الاجتماع مع الحرام ، وأن يكون بالخطاب الأصلي ليترتّب العقاب عليه ، وأنّى لهم بإثباتها ، انتهى ». [ القوانين ١ : ١٠٣ ]
ويستفاد ذلك منه أيضا في مواضع اخر ممّا سبق على تلك العبارة وما لحقها كما لا يخفى على الخبير.
بل يستفاد من بعض الأعاظم أيضا ، وربّما يعزى إلى المحقّق السبزواري ، وجعله المحقّق الخوانساري من جملة المحتملات الجارية في محلّ النزاع ، ولعلّ ذلك التوهّم لكلّ من صار إليه نشأ عن ظهور الوجوب حيثما أطلق في النفسي الأصلي ، فلا ينصرف إلى الغير التبعي ، أو أنّ ذلك الوجوب التبعي لا يعدّ وجوبا في الاصطلاح ولا يصدق عليه مصطلحهم في الوجوب.
أو أنّ الثمرات الّتي ذكروها لمحلّ النزاع من عدم اجتماع المقدّمة مع الحرام واستحقاق العقاب عليها لا يصلح لها إلاّ الوجوب النفسي الأصلي ، إذ الواجب التوصّلي ممّا يجتمع مع الحرام كما صرّحوا به والواجب التبعي لا يستحقّ على تركه العقاب وهذا هو الّذي أوجب ذلك التوهّم في بعض الأعلام ، كما يشهد به عبارته المتقدّمة. أو أنّ محطّ نظر الاصولي في تلك المسألة وغيرها من المسائل الاصوليّة إنّما هو الخطاب الصادر من الشارع والوجوب التبعي بالمعنى المذكور في المتن لا يلائمه من جهة كونه حكيما عالما شاعرا ، لابتنائه على الغفلة والذهول وعدم الالتفات إلى المقدّمة وكونها ممّا لابدّ منها ، نعم في خطابات غيره يتعقّل ذلك بل يكثر وقوعه ولكنّه خارج عن موضوع بحث الاصولي.
أو أنّ الوجوب التبعي لشدّة بداهة ثبوته ممّا لا يقبل الخلاف ولا يصير إليه أيادي الإنكار ، فلا ينبغي تنزيل المسألة الّتي صارت معركة للآراء ومطرحا للأقوال على إثبات ذلك المعنى ونفيه ، فلابدّ وأن يكون معقدها معنى آخر وراء ذلك زائدا عليه ، وليس ذلك إلاّ الوجوب الأصلي الّذي يقصد من الخطاب مستقلاّ.
وأنت خبير بوهن تلك الوجوه ، وعدم قضاء شيء منها بصحّة ما ذكر من التوهّم.
أمّا الأوّل : فلأنّ قضيّة الظهور إنّما يؤخذ بها مع عدم قيام صارف عنها ، وقد ثبت الصارف في المقام من جهات شتّى ، فإنّ دعوى الضرورة كما عن غير واحد من أصحاب القول بوجوب المقدّمة لا يمكن صرفها إلاّ إلى إرادة الوجوب التبعي مع ملاحظة عدم اعتراض أحد عليهم بكونه خروجا عن محلّ النزاع وقولا بما لا خلاف في ثبوته ، وكذلك نفي الخلاف عن الوجوب كما عن بعضهم ، ودعوى الوفاق على الوجوب كما عن آخر لا يناسبه الوجوب النفسي الأصلي ، لعدم كون شيء منهما مظنّة للوفاق ولا مظنّة المصير إليه عن أحد ، وكذلك ضعف القول بالنفي وعدم قائل به مطلقا على سبيل التحقيق وانحصار القول به في الواقفيّة كما في معزى العلاّمة على ما سيجيء حكايته عنه في نقل الأقوال لا يلائم إلاّ الوجوب التبعي ، إذ الوجوب الأصلي قابل لأن ينكره الجلّ ومعظم المحقّقين فينافيه المصير منهم ومن جمهور أهل العلم إلى ثبوته كما لا يخفى.