__________________
وأيضا قد اتّفقت كلمتهم في العنوان على التصريح بثبوت الوجوب أو نفيه أو الترديد بينهما على نحو الإطلاق ، فلا يناسبه كون المراد بالوجوب نفيا وإثباتا هو النفسي الأصلي مع الاعتراف بثبوت الغيري التبعي ، بل اللازم حينئذ أن يقال في العنوانات هل يعقل في المقدّمة زيادة على ما فيها من الوجوب الغيري التبعي وجوب آخر ، وهو كونها مطلوبة بالذات ومتعلّقة للخطاب بالأصالة أو لا يعقل ذلك؟
وهذا كما ترى معنى ينافيه النفي والإثبات المطلقين ، ولا يلائمه الأدلّة الّتي أقاموها على إطلاقي النفي والإثبات كما لا يخفى.
ويؤيّد جميع ما ذكرناه أيضا فهم جماعة من فحول العلماء (١) وتصريحهم بما ذكرناه وإطباقهم على تخطئة المتوهّم ، وما قيل أيضا من أنّ غرض المجتهد إنّما يتعلّق بكون الشيء واجبا سواء تعلّق الخطاب به أصالة أم لا ، لأنّ مقصوده استنباط حكم الوجوب ولا تختلف الحكم بكونه أصليّا أو تبعيّا لوجوب الإتيان على التقديرين.
وأمّا الثاني : فلما سيأتي في المتن من عدم الفرق في الوجوب اصطلاحا بين الأصلي والتبعي وصدق المصطلح على التبعي صدقه على الأصلي وأنّه يترتّب عليه بالنسبة إلى المقدّمة جميع ما يترتّب على الأصلي.
وأمّا الثالث : فلأنّ الواجب ما دام واجبا لا يجتمع مع الحرام ولو كان توصّليا وقد سبق الكلام في تحقيقه ، فلا ملازمة بين تلك الثمرة على فرض صحّته والوجوب النفسي ، والواجب الغيري لا يترتّب على تركه من حيث هو استحقاق عقاب ولو كان أصليّا كما تقدّم تفصيل القول في ذلك.
ومع الغضّ عن ذلك وتسليم صحّة تلك الثمرة فهي من لوازم الوجوب ولو كان تبعا ، لما سيجيء تحقيقه من أنّ الواجبات التبعيّة يعامل معها معاملة الواجبات الأصليّة سواء بسواء عقلا وعرفا ، فلا منافاة بين تلك الثمرة ـ على فرض استقامتها ـ والوجوب التبعي لئلاّ يكون للقائل بوجوب المقدّمة بدّ من القول بالوجوب الأصلي حيث لا ملازمة بينهما.
وأمّا الرابع : فلأنّ الوجوب التبعي ترجع حقيقته هنا ـ على ما مرّ مرارا وسيجييء أيضا ـ إلى شأنيّة الطلب المجامعة لعدم فعليّة الإرادة ، وعدم قصد طلب المقدّمة عند طلب ذيها فعلا وهو لا ينافي حكمة الحكيم ، ولا أنّ علمه بوجوب المقدّمة بمعنى التصديق به أو تصوّر ذاتها عند تصوّر ذيها لإرادة الطلب يلازم طلبها فعلا أو قصد إيجابها تفصيلا ، كما أنّ الشعور بكونها مقدّمة وأنّها لابدّ منها لوجود ذيها يقتضي قصد إيجابها في الخطاب المتعلّق بذيها اكتفاءا بما يدركه العقل بملاحظة ذلك الخطاب من كون وجوبها لازما لما قصد به من إيجاب ذيها ، وتعويلا على ما عليه بناء العرف والعادة من أنّ ما من شأنه الإيجاب في حكم ما أوجب فعلا في جميع الآثار المترتّبة عليه ، كيف ولو لا ذلك لما كان لدلالة الإشارة مورد في الخطاب الشرعي ، وهو كما ترى ينافي اتّفاقهم على جوازها ووقوعها في آيتي الحمل الدالّتين على أنّ أقلّه ستّة أشهر ، وفي قوله صلىاللهعليهوآله ـ في النساء ـ : « أنّها ناقصات عقل ودين ، قيل ما نقصان عقلهنّ؟ فقال : تمكث إحداهنّ شطر دهرها لا تصلّي » أي نصف دهرها الدالّ على أنّ
________________
(١) منهم الفاضل النراقي ومصنّفي الهداية والفصول وحكاء النراقي عن أبيه والفاضل الباغنوي والمحقّق الخوانساري وغيرهم وصرّ ح به في الظوابط وغيره (منه ).