حدوث الاقتضاء وحالة اخرى عند حدوث الصيغة ليس ممّا يتوهّمه الأوهام بل هو ممّا يدركه العقول والأذهان على جهة التحقيق والإتقان.
وقوله : « والتحقيق أنّه لم يحدث في هذه الحالة للنفس كيفيّة اخرى إلاّ العلم بالإعلام والعلم بعلم المأمور بالإرادة » إلى آخره.
جوابه : أنّ هذه الامور من لوازم حصول النسبة الإنشائيّة وهو معلول لإطلاق الصيغة ، وهي كاشفة عن حدوث حالة اخرى وراء الإرادة.
وقوله : « فإن اجترأت على القول الأوّل ادّعيت لنفسك ما ليس لك إليه سبيل » جوابه : أنّا اخترنا لأنفسنا ما لا سبيل إلى خلافه ، كيف وإطلاق الصيغة إنّما ينشأ بحكم الضرورة عن حدوث حالة وراء الإرادة ، وغيرها من الامور المذكورة فهو متأخّر عنها ذاتا وإن قارنها زمانا.
قوله : « وبالجملة ... إلى آخره » جوابه : أنّ الضروري لغاية بداهته قد يكون نظريّا ، والواضح لشدّة وضوحه قد يعرضه الخفاء ، والعقلاء إنّما يميّزون الأشياء بصفاء عقولهم فلا ينافيه عدمه إذا سترتها غشاوة الشبهة الراسخة ، وإلاّ لما حدث مذهب فاسد في فروع ولا اصول ، ولا رأي باطل في معقول ولا منقول.
وسابعها : ما قرّره الفاضل المذكور أيضا من أنّه : إذا أمر المولى عبده بالصعود على سطح في ساعة معيّنة فأخذ العبد في هدم البناء يذمّه العقلاء ويعيّرونه على الهدم المذكور من غير توقّف ، وهذه علامة الإيجاب.
لا يقال : ذمّه على الهدم ليس لذاته بل لكونه موصلا إلى ترك الصعود.
لأنّا نقول : إذا ثبت الذمّ عليه ثبت إيجاب نقيضه ، وأمّا كون الذمّ عليه معلّلا باتّصافه بصفة الإيصال إلى شيء مّا لا يقدح في ذلك كما لا يخفى.
وثامنها : ما قرّره أيضا من أنّه في الصورة المذكورة ينهي العاقل الخالص من الأغراض عن الهدم المذكور نهيا إلزاميّا والنهي الإلزامي عن العاقل الخالص من دواعي الشهوة لا يكون إلاّ لداعي الحكمة ، فلا يكون إلاّ لقبح شيء في نفسه كما تقرّر في غير هذا المحلّ ، فيكون الهدم المذكور قبيحا فيكون نقيضه واجبا.
والجواب عن الأوّل : أنّ الذمّ على الهدم إنّما هو لقبحه لذاته وكونه محرّما في حدّ نفسه ولو مع قطع النظر عن إيصاله إلى ترك الصعود ، فلذا تراه لازما عليه حيث لم يكن أمره المولى بالصعود أصلا ، وثبوت التحريم كالإيجاب لا ينحصر في النهي الصريح الفعلي