يستلزم إيجاب مقدّماته بحسب المعنى إلى أنّ كون ترك الشيء محرّما هل تستلزم تحريم ترك مقدّماته مع كونه مفضيا إلى تركه المحرّم أو لا؟ والّذي ينكر عدم استلزام الإيجاب للإيجاب ينكر عدم استلزام التحريم للتحريم لكونهما متلازمين ، واستلزام القبح للقبح عبارة اخرى لذلك فيكون ممّا ينكره الخصم.
وواضح أنّ دعوى أحد المتخاصمين لا يصلح دليلا على بطلان دعوى الآخر ، كما لا يعقل كونها دليلا على صحّة نفسها ، وما أشار إليه في عبارته الاخرى الّتي نقلناها من أنّ ما ذكره دليلا على إيجاب المسبّب يستلزم إيجاب السبب جار في المسبّب المحرّم ، فغير مجد في دفع ما أوردناه ، لكون أصل هذا الدليل الّذي أشار إليه فاسد الوضع على ما قدّمنا ذكره مع نقل عبارة الدليل (١) عند ذكر أدلّة القول باختصاص الوجوب بالمقدّمات السببيّة ، فراجع واعرف.
ومع الغضّ عن جميع ما ذكرناه فما أخذه نتيجة بقوله : « فيكون إيجاده واجبا » إن أراد بكونه واجبا وجوبه صريحا مقصودا من الخطاب مفصّلا.
ففيه : ما تقدّم مرارا من كونه خلاف ما يساعده الوجدان ، ولا يقتضيه ذلك البرهان ولا غيره ممّا تقدّم إلى تقريرها البيان ، وإن أراد به وجوبه بالطلب الشأني الإجمالي حسبما قرّرناه فهو وإن كان مسلّما إلاّ أنّ إثباته لا ينوط بما ذكر من المقدّمات ، ولا حاجة له إلى ما صنعه من الإطناب في تقرير الاحتجاج.
وعاشرها : ما قرّره أيضا من أنّه إذا أمر المولى عبدين من عبيده بفعل معيّن في بلد واحد بعيد في وقت معيّن وأتمّ حجّة التكليف عليهما على نهج واحد ، فتركا المشي إلى ذلك البلد عند التضيّق ثمّ اتّفق موت أحدهما قبل حضور وقت الفعل وبقي الآخر ، فإمّا أن يستحقّا العقاب أو لم يستحقّا ، أو استحقّ الحيّ دون الميّت أو بالعكس ، لا وجه للثاني لمنافاته لإطلاق الوجوب ، ولا إلى الثالث لمساواتهما في التقصيرات الاختياريّة ، إذ نحن نعلم استواءهما في الإطاعة والعصيان وليس بينهما تفاوت إلاّ بموت أحدهما وبقاء الآخر ، وهو بمعزل عن التأثّر في الاستحقاق بمقتضى قاعدة العدل ، ولا إلى الرابع وهو ظاهر فثبت الأوّل وبذلك يثبت وجوب مقدّمة الواجب. انتهى.
وجوابه : واضح بعد التأمّل فيما قرّرنا في أجوبة الوجوه المتقدّمة ، فإنّ استحقاق العبدين معا للعقاب لا يكاد يجديه فيما هو بصدد إثباته ، إذ الحيّ بتركه المشي إلى ذلك
__________________
(١) وهو الوجه الخامس الّذي قدّمنا تقريره. ( منه ). تقدّم في ٥١١.