فيه إن اريد به ما يلزم على سبيل القصد منه إيّاه عن خطاب مختصّ به أو خطاب الغير ، إلاّ أن يفرض الاستدلال إنّيّا كما يومئ إليه قوله : « وبهذا الوجه يلزم مجرّد الرجحان » بدعوى أنّ مقتضى القاعدة المذكورة ترتّب الثواب على فعل المقدّمات على جهة الاستحقاق ، وهو من لوازم الوجوب فيكشف ذلك عن وجوبها كشف وجود اللازم عن وجود ملزومه.
ولكنّه يرد عليه حينئذ : أنّ موضوع القاعدة إنّما هو إلزام المشقّة فلا تجري إلاّ بعد إحرازه ، فلا يلزم ثبوت اللازم على فرض عدم جريانها والمقام منه ، لأنّ فرض الاستدلال إنّيّا بالتقريب المذكور لا مصحّح له إلاّ على فرض كون الإلزام غير ثابت على حدّ ثبوته في سائر الواجبات ، فيلزم خروج الاستدلال حينئذ دوريّا.
ومع الغضّ عن جميع ذلك نقول : إنّ المشقّة إذا كانت من التوابع واللوازم المترتّبة على مشقّة اخرى مقصودة بالأصالة لا دليل على كونها ممّا يستحقّ بها الثواب أيضا ، بعد فرض ثبوت الاستحقاق بالنسبة إلى الأصل ، إذ لا قبح عقلا في إلزامها على هذا التقدير أصلا بل الدليل على خلافه ، كما لا يخفى على من تأمّل في مواقع بناء العقلاء ومجاري عملهم ، حيث نراهم لا يلتزمون بأخذ العوض ولا بإعطائه على اللوازم الغير المقصودة إلاّ بالتبع ، فلاحظ جيّدا واعرف جدّا.
وثاني عشرها : ما قرّره أيضا بقوله : من تأمّل في القواعد العمليّة ومارس المصالح الحكميّة وجرّب التدبيرات الكلّية وعرف مجاري أحكام العقلاء وحكمهم ، عرف أنّ ما يجب رعايته والأمر به والإلزام عليه قد يكون مطلوبا بالذات وقد يكون مطلوبا بالعرض من حيث إنّه نافع في حصول الغرض الأصلي والمطلوب الذاتي ، فمن أراد تدبير عسكر أو بلد كما أنّه يأمر بالامور النافعة لهم المشتمل على خيراتهم وينهى عن الامور الضارّة لهم كذلك يأمر بالامور المؤدّية إلى خيراتهم ومعدّاتها وشرائطها والطريق الموصل إليها ، وينهى عن الامور المستلزمة لمضارّهم المؤدّية إليها والمستلزمة لإخلال مصالحهم المؤدّية إليه ويريد ويكره على نسبة واحدة ، وأيّ مصلحة أشدّ من توقّف المصلحة الذاتيّة عليه ، ولمّا كانت المصالح مستلزمة للتكاليف الشرعيّة كما أنّ التكاليف الشرعيّة مستلزمة للمصالح عند العدليّة ـ كما ثبت في محلّه ـ يلزم وجوب مقدّمة الواجب ، وممّا يؤيّد وجوب المقدّمة أنّ الندامة الّتي تحصل لتارك الحجّ عند ترك الحجّ قد تحصل له عند ترك المقدّمات قبل حضور وقت الحجّ وهذا علامة الوجوب ، انتهى.