وهو جيّد إن كان مرجعه إلى ما قرّرناه في جملة أدلّتنا المتقدّمة من الاستقراء الكاشف عن أنّ المقدّمة ليس من شأنها إلاّ الإيجاب والإلزام بها سواء وقع التصريح به أو قصد من الخطاب ولو سيق لبيان غيره أوّلا ، وأنّ بين وجوبها ووجوب ذيها ملازمة عقليّة دائميّة قاضية باستحالة تخلّفه عنه ، فيلزم أن يعامل مع ما لم يصرّح بوجوبها أو لم يقصد من خطاب غيره أصالة معاملة ما صرّح بوجوبها أو قصد الإلزام بها من خطاب آخر.
ولكن في المثال الّذي ذكره شاهدا بتلك الدعوى نظر واضح ، من جهة أنّ ما فرض فيه من الأمر والنهي بالنسبة إلى كلّ من المطلوب بالذات والمطلوب بالعرض لم يخرج إلاّ مخرج الإرشاد ، وهو كما أنّه بالنسبة إلى الأوّل لا يفيد إلاّ بيان اشتمال الواقعة على مصلحة أو مفسدة كامنة فيها بالذات ، فكذلك بالنسبة إلى الثاني لا يجدي إلاّ التنبيه على قيام المصلحة أو المفسدة الكامنة في الواقعة بالعرض ، ومآله بالأخرة إلى بيان المقدميّة والمانعيّة وهو كما ترى أمر لا تعلّق له بما هو متنازع فيه ، لأنّ الكلام إنّما هو في وجوب المقدّمة بعد إحراز مقدّميته بحكم العقل أو العادة أو الشرع.
نعم لو مثّل لما ذكر من الاستقراء بأوامر الموالي والملوك بالنسبة الى عبيدهم ورعاياهم لكان مستقيما ، ولا يبعد انطباق ما ذكر أيضا بذلك فلا ضير فيه حينئذ.
نعم ما ذكره ما في ذيل كلامه تأييدا ليس على ما ينبغي جزما ، إذ الندامة الحاصلة عند ترك المقدّمات ليست من جهة وجوبها بل لأجل كون تركها تعريضا للنفس على استحقاق العقاب على ما سيقع من ترك الحجّ ، وتفويتا لغرض الشارع والمثوبات الاخرويّة مع الخواصّ الدنيويّة المترتّبة على فعل الحجّ المقرّرة لفاعله والآتي به في اللوح المحفوظ كما لا يخفى ، وإنّما تحصل تلك الندامة من حين ترك المقدّمات لأنّه الّذي يترتّب فيه تلك المفاسد على ما صنع في نفسه.
وثالث عشرها : ما عن الغزالي ـ بل عن الآمدي أنّه تبعه ـ من الإجماع على وجوب تحصيل الواجب ، وتحصيله أنّما هو بتعاطي ما يتوقّف عليه ، ووجوب تحصيله بما ليس بواجب تناقض ، انتهى.
وفيه : ما لا يخفى من وضوح الفساد ، فإنّ التناقض إنّما يلزم لو كان تعاطي المقدّمات عين تحصيل الواجب وهو بوضوح من المنع ، ضرورة أنّهما مفهومان متغايرين ولكلّ وجود غير وجود الآخر ، فيلزم تعدّدهما مفهوما ومصداقا ومعه كيف يتوهّم التناقض لو اختلف