ولكنّها كانت قائمة بالأجزاء المتبائنة بحسب الخارج ، فكان كلّ جزء مقدّمة لحصولها وموقوفا عليه لتحقّقها ، فليس في كلّ جزء من حيث هو مصلحة سوى مصلحة المقدّميّة كما في سائر المركّبات الّتي تعتبر فيها خاصيّة قائمة بالمجموع من أجزائها من حيث المجموع ، لضرورة أنّ كلّ جزء منها ليس له تلك الخاصيّة وإلاّ لما كان للهيئة التركيبيّة مدخليّة ، وكان التصدّي باعتبارها واعتبار التأليف بين أجزائها المتبائنة لغوا وعبثا وهو محال من الحكيم ، فحينئذ لا يكون بين أجزاء الواجب وسائر مقدّماته فرق أصلا ، كما أنّه مع قطع النظر عن الوجوب المقدّمي لا وجوب لسائر المقدّمات إلاّ الوجوب العقلي المعبّر عنه باللابدّيّة أو الوجوب العرضي المجازي بالمعنى المتقدّم فكذلك الأجزاء حرفا بحرف ، فليس لها إلاّ الوجوب بهذين المعنيين كما تنبّه عليه بعض الأفاضل.
فدعوى : أنّ الجزء باعتبار كونه في ضمن الكلّ واجب نفسي والدالّ على وجوب الكلّ بالمطابقة دالّ على وجوب الجزء بالمطابقة ، وإن كان الدالّ على نفس الكلّ بالمطابقة دالاّ على الجزء بالتضمّن كما عرفته عن بعض الفضلاء ، متّضح الفساد كيف وأنّ الضرورة قاضية بأنّ الطلب في تعلّقه بمتعلّقه تابع لرجحان ذلك المتعلّق ، ورجحانه تابع للمصلحة الكامنة فيه ، كما أنّها مع الوجدان بل الحسّ والعيان قاضية بأنّ المصلحة القائمة بالمجموع باعتبار الهيئة الاجتماعيّة لم تكن قائمة بكلّ جزء من ذلك المجموع وإلاّ لزم أن يؤثّر الجزء أثر الكلّ ولو بحسبه وهذا خلف.
فقضيّة ذلك جريان النزاع في الأجزاء جريانه في سائر المقدّمات حرفا بحرف كما تنبّه عليه بعض الأعاظم وفاقا لبعض الأعلام ، وانحصار وجوبها مع قطع النظر عن الوجوب العقلي والعرضي في الوجوب الغيري المقدّمي بالمعنى الّذي هو ثابت في سائر المقدّمات عند القائل بوجوبها ، أو فيهما حسبما بيّنّاه عند القائل بمنع الوجوب في المقدّمة ، ولمّا كان المختار في المسألة القول الأوّل فلا جرم يكون أجزاء الواجب كسائر مقدّماته واجبة بالوجوب التبعي بالمعنى المتقدّم بعين ما تقدّم من الأدلّة حرفا بحرف من غير فرق ولا تفاوت.
نعم بين أجزاء الواجب وسائر مقدّماته فرق من جهة اخرى لا من جهة الوجوب وعدمه وهي الّتي تنبّه عليها بعض الأفاضل من أنّ الواجب عند انحصار جزئه في المحرّم لا يقع صحيحا ، لأنّ الصحّة فرع الأمر وهو فرع القدرة عليه والمنع الشرعي كالمانع العقلي يوجب سلب القدرة عن الجزء ، فيلزم انتفاء القدرة عن الكلّ أيضا ، ومعه لا وجوب له حتّى