مفروض الانتفاء ، ولمّا كان وجود ما فرض وجوده مقارنا لفقد المقتضي لوجود الآخر كان وجوده مقارنا لعدمه من دون أن يؤثّر ذلك الوجود في ذلك العدم.
لا يقال : ننقل الكلام إلى المقتضيين ونفرض التضادّ بينهما ولا يكون إلاّ من جهة ما بينهما من التمانع وإلاّ لأدّى إلى التسلسل ، فيكون وجود كلّ مانعا عن وجود الآخر وهو كاف في ثبوت المطلوب ، إذ ليس المراد بالتمانع المتنازع فيه ما يكون بلا واسطة خاصّة ، فيصدق على كلّ من الضدّين أنّه مانع بالقياس إلى الآخر ولو بالواسطة.
لأنّا نقول : بأنّ المراد بالمقتضي على ما عرفت هو الرجحان ، وهو في الضدّ الموجود مستند إلى اعتقاد النفع أعني موافقة الغرض ، وهو تابع لكونه موافقا للغرض فيكون عدم رجحان الضدّ الآخر مستندا إلى عدم اعتقاد النفع فيه وهو تابع لعدم كون ذلك الضدّ موافقا للغرض وهو لا يحتاج إلى علّة ومؤثّر لأنّ العدم الصرف لا يقتضي علّة ، فلا يرد أنّ عدم موافقته للغرض لعلّه نشأ عن موافقة الضدّ الآخر له فبطل توهّم التمانع بالمرّة.
وثانيها : ما يشهد به العيان المغني عن البيان من جريان ضرورة الأذهان بأنّه كما يتوجّه النفس إلى الفعل مع جميع ما اعتبر فيه من الخصوصيّات عند العزم عليه لمصلحة راجحة فيه توجّها تفصيليّا فكذلك يتوجّه إلى مقدّمات وجوده بأسرها طلبا لإحرازها مع جميع ما يعتبر فيها من الخصوصيّات كمّا وكيفا توجّها تفصيليّا لا يشوبه شكّ ولا ريب ، فمن أراد إنشاء سفر لدخول بلد أو قرية كما أنّه يلاحظ أصل السفر وغايته المطلوبة منه فكذلك جميع ما يتوقّف عليه وجوده من المقدّمات من قطع طريق وتعيينه وما يحتاج إليه فيه من زاد وراحلة وحشم وخدم وغيرها ممّا يصلح له وممّا لا يصلح كمّا وكيفا ملاحظة تفصيليّة فيمهّدها على وفق ما يرفع حاجته ويحصل مقصده ، وكذلك من أراد فتح بلد من الامراء فكما أنّه يلاحظ الفتح وغايته المطلوبة منه كذلك يلاحظ مقدّمات وجوده لتمهيدها من تدبير عسكره وتعيينه عددا وشخصا وما يصلح له من السلاح والآلات والحشم والخدم ملاحظة تفصيليّة ، وكذلك من أراد ضيافة قوم في جميع ما ذكر ، ونرى أنّ ترك الضدّ لا يدخل في جملة ذلك ولا يلتفت إليه النفس أصلا تفصيلا ولا إجمالا فلولا عدم كونه مقدّمة لامتنع ذلك جزما.
فإن قلت : لعلّ ذلك من جهة أنّ العدم لا يفتقر إلى تأثير حتّى يحصل الالتفات لانشاء ذلك التأثير كما في سائر المقدّمات ، بخلاف الوجود فإنّه يفتقر إلى التأثير لا محالة فلابدّ