ولكنّ الشأن في العلم بالعلّة لفقد النصّ عليها ، ومن الجائز أن يكون هي قدرته على استنباط المسائل كلّها *.
__________________
* وفي كون العلّة في العمل بالظنّ هي القدرة بكلا قسميها منع واضح كما أشرنا إليه ، بل هي على ما يساعد عليه النظر من شروط وجود الموضوع وتحصّله في الخارج ، وإنّما العلّة للحكم هو انحصار المناص في العمل بالظنّ الاجتهادي الحاصل بسقوط اعتباري العلم والاحتياط.
أمّا الأوّل : فبانسداد بابه.
وأمّا الثاني : فبانتفاء لازمه في الشرع.
وهذا بالمعنى الّذي قرّرناه مرارا ونقرّره هنا أيضا لا يختصّ بالمجتهد المطلق ، إذ قد عرفت أنّ مقتضى الأصل المستفاد من حكم القوّة العاقلة وبناء العقلاء بل ضرورة العقول كون المرجع في امتثال أحكام الله تعالى هو العلم ثمّ الاحتياط مع تعذّره ، ثمّ بعده ـ أيضا لتعذّره أو سقوط اعتباره شرعا ـ يتعيّن الرجوع إلى ما يقرب منهما ولم يتضمّن محذوريهما من التكليف بغير المقدور والعسر والحرج المخلّين بالنظم معاشا ومعادا من غير أن يكون بينه وبينها واسطة غير مؤدّية إلى أحد المحذورين ، وليس ذلك إلاّ الظنّ الاجتهادي في حقّ من يتمكّن منه ، لا مطلقه بل مرتبة منه لو تعدّيناها إلى ما فوقها من المراتب إن كان لأدّى إلى أحد المحذورين ، وهذا هو الّذي يعبّر عنه في كلماتهم بالظنّ الأقوى ، والإجماع على العمل بالظنّ كما ادّعاه المصنّف وغيره ممّن سبقه ولحقه لابدّ وأن يكون معلقا على انسداد باب العلم وعلى سقوط اعتبار الاحتياط ، وهذا التعليق ليس لورود دليل خاصّ عليه من رواية أو آية كتابيّة ، بل لقاعدة التحرّز عن التكليف بغير المقدور وما يوجب اختلال النظم ، وبعد اعتبار هذا التعليق كان معقده الظنّ القريب منهما بلا تخلّل واسطة بينه وبينهما غير مؤدّية إلى أحد المحذورين.
وممّا يرشد إلى ذلك ما في كلام المجمعين من اعتبار الظنّ الأقوى كما لا يخفى.
والعمل بالتقليد أيضا وإن كان مآله بالأخرة إلى العمل بالظنّ الاجتهادي الّذي حصّله غير هذا العامل ، إلاّ أنّه لعروض جهة الفتوى له ممّا طرأه من الاحتمالات المبعدة عن مقتضى العلم والاحتياط ـ حسبما بيّنّاها سابقا على التفصيل ـ ما لم يطرأه بالنسبة إلى الظانّ نفسه كما لا يخفى.