المعصوم بهذا الاعتبار ، لكن قصور العبارة عن إفادة هذا المعنى غير خفيّ على اللبيب.
وثانيهما : « أنّ الكلام هنا في مقام تجزّي الاجتهاد وإطلاقه لا في طريقة الاصولي والأخباري وغيرهما ، وحينئذ نقول : إتّفاق العلماء في كلّ عصر ومصر من زماننا مترقّيا إلى زمان أئمّتهم بحيث لم يعرف منكر يعتمد بقوله على جواز عمل المستنبط المطلق القادر على تحصيل كلّ الأحكام بقوّته الحاصلة لذلك ومتابعة مقلّده له ، بل لزوم ذلك ووجوبه يكشف عن أنّ ذلك كان من جهة رخصة من جانب أئمّتهم » إلى آخره (١).
وهذا يرجع بنحو من الاعتبار إلى ما قرّرناه أخيرا ، وأمّا الاعتراض بالنسبة إلى دعوى الضرورة فدفعه بعض الأعلام بوجهين :
أحدهما : إمكان إرادة ضرورة الدين ، بتقريب ما ذكره أخيرا في الإجماع بدعوى : أنّ هذه الطريقة المستمرّة أفادت رضى صاحب الشرع بذلك بداهة.
وثانيهما : إمكان إرادة بداهة العقل بعد ملاحظة الوسائط أعني بقاء التكليف وانسداد باب العلم وقبح التكليف بما (٢) لا يطاق.
ثمّ أورد على المعترض بقوله : « وما ذكر في الاعتراض من تسليم ذلك وتحسينه لأجل أنّه يعتمد على الدليل فليس بشيء ، لأنّه حينئذ ليس بضروري لاحتياج إبطال التقليد حينئذ إلى الاستدلال.
نعم ما ذكره يصير مرجّحا لاختيار الاجتهاد للمجتهد المطلق على التقليد ولا يفيد الضرورة ، ومقتضى ما ذكره كون جواز التجزّي أيضا بديهيّا مطلقا وهو كما ترى ، إذ ترجيحه على تقليده لمثله إن سلّم فلا نسلّم ترجيحه على تقليده للمجتهد المطلق بل ذلك يحتاج إلى الاستدلال وليس بضروريّ » (٣).
ثمّ ذكر وجها ثالثا في توجيه دعوى الضرورة وهو إمكان إرادة الاضطرار والاحتياج من الضرورة.
أقول : وهذا هو أظهر المحامل في دعوى الضرورة ، وذلك من جهة أن تعيّن العمل بالظنّ الاجتهادي لا يتأتّى إلاّ بعد انحصار المناص فيه ، ولا ينحصر المناص إلاّ بعد إبطال التقليد وهو لا يتمّ إلاّ في حقّ المجتهد المطلق ، لأنّ دليل بطلانه على ما زعموه منحصر في الإجماع ولا إجماع في حقّ المتجزّي فلم ينحصر المناص في حقّه ليضطرّ
__________________
(١ و ٣) القوانين.
(٢) وفي الأصل : « وقيح تكليف ما لا يطاق » ، وما صحّحناه أوفق بالعبارة.