فالراجح ، فإن عدم الرجحان فالحكم إمّا التساقط أو التخيير أو الرجوع إلى غيرهما. وعلى كلّ تقدير فالحكم معيّن فالمخالف له مخطئ فالمصيب واحد » (١).
والمنساق من هذا الدليل أنّه فرض التخطئة في الحكم الاصولي الّذي هو واحد على كلّ تقدير ، إذ مع خلوّ الأمارة الموجودة في المسألة عن المعارض وجب العمل بها بعينها ، ومع رجحانها على معارضها على تقدير وجوده وجب العمل بها أيضا كذلك ، ومع التساوي فالحكم إمّا التخيير أو التساقط والرجوع إلى الأصل ، أو التوقّف والرجوع إليه أيضا على الخلاف في مسألة تعادل الأمارتين.
وقضيّة ذلك أن يكون المخالف في جميع التقادير مخطئا.
ويشكل ذلك : بأنّ ظاهر كلماتهم اختصاص النزاع بالمسائل الفرعيّة الاجتهاديّة وخروج المسائل الاصوليّة عنه ، لاتّفاق الكلّ فيها على التخطئة كما أو مأنا إليه سابقا ، وإن أراد من الاستدلال بيان أنّ الخطأ في الحكم الاصولي على جميع تقاديره يستلزم [ الخطاء ] في الحكم الفرعي المتفرّع في المسألة الفرعيّة على ذلك الحكم الاصولي.
فيدفعه : منع الملازمة بالتقريب المتقدّم ، إذ المخالف إنّما يخالف الحكم الاصولي المفروض في جميع تقاديره لحكم اصولي آخر هو الراجح في نظره ، فإذا صلح الأوّل منشأ لحكم فرعي صلح ذلك أيضا منشأ لحكم فرعي ، فيكون كلّ منهما حكما واقعيّا لصاحبه فيكون كلّ من المجتهدين مصيبا ، على أنّ المخالف إنّما يخالفه لأمارة أو أصل ترجّح في نظره العمل بها فيحدث مؤدّاهما حكما واقعيّا في حقّه ، وإن كان جعل مؤدّى الأصل حكما واقعيّا لا يخلو عن إشكال بل لا وجه له.
هذا مع ما يرد على ما ذكره في الترديد الأوّل من : « أنّ المكلّف إن كلّف لا عن طريق » من أنّه لا يدري إنّ المكلّف به المفروض هل هو معرفة الحكم أو الاجتهاد؟
والأوّل خلاف مفروض المصوّبة من خلوّ الواقعة قبل الاجتهاد عن حكم مخصوص.
والثاني لا يلائمه تفريع الأمرين عليه من لزوم التكليف بما لا يطاق إذا كان الحكم معيّنا عند الله غير معيّن عند المكلّف ، أو القول بالحكم في الدين لمجرّد التشهّي إذا لم يكن معيّنا عند الله أيضا ، فإنّ الّذي يلزم على تقدير التكليف بالاجتهاد من غير طريق إنّما هو التكليف بما لا يطاق لا غير ، فليتدبّر.
__________________
(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ١٠٢.