الثاني : أنّ القدر المسلّم المعلوم خروجه من الأصل أيضا إنّما هو الاعتقادات المستندة إلى الأدلّة المعهودة والطرق المتعارفة بواسطة الملكة النفسانيّة المعتبرة في الفقيه ، وأمّا غيرهما ومنه العلوم الحاصلة بطريق المكاشفة المستندة إلى الرياضات الغير الشرعيّة فلم يظهر من مطلقات التقليد إطلاق بالقياس إليه ، وهو كاف في الرجوع إلى الأصل.
ولا ريب أنّ الانكشافات الّتي تحصل للميّت تستند إلى غير هذه الطرق ، ولا دليل على جواز الأخذ بها والعمل عليها مع فرض موافقتها للإدراكات الحاصلة حال الحياة المستندة إلى الطرق المعهودة الاجتهاديّة ، كيف والموافقة أيضا غير محرزة لاحتمال المخالفة ، حتّى أنّ المجتهد الظانّ لو حصلت له حال الحياة بعد الاجتهاد والاستنباط انكشافات من طريق الرياضة لم يجز لغيره الأخذ بها والعمل عليها ، ويكفي فيه مجرّد عدم الدليل على الجواز عملا بالأصل.
الثالث : أنّ اعتقادات المجتهد إنّما يجب اتّباعها والأخذ بها لكون معتقداته أحكاما فعليّة ، وكونها أحكاما فعليّة في حقّ المجتهد وإن لم يكن تابعا لكونها كذلك في حقّ المقلّد كما في المتجزّي على القول بحجّية ظنّه وعدم جواز تقليده ، ولكن كونها أحكاما فعليّة في حقّ المقلّد تابع لكونها كذلك في حقّ المجتهد ، ولذا لا يجوز تقليد من طرأه النقص من زوال ملكة أو زوال عقل ابتداء ولا استدامة.
ولا ريب أنّ بموت المجتهد يخرج معتقداته عن كونها أحكاما فعليّة في حقّه فكذلك في حقّ المقلّد ابتداء واستدامة.
لا يقال : خروجها عن كونها أحكاما فعليّة في حقّ المجتهد إنّما هو لخروجه بالموت عن حدّ التكليف وقابليّته ، لأنّه منقوض بمن طرأه الجنون المخرج له عن حدّ التكليف وقابليّته.
والحلّ : أنّ الحكم الفعلي نسبته واحدة حصلت بين المجتهد ومقلّده من جهة واحدة وإذا ارتفعت بالقياس إلى المجتهد نفسه استحال بقاؤها في حقّ المقلّد ، ولا ينتقض ذلك بالمتجزّي لأنّ هذه النسبة فيه من حين حدوثها لم تتعلّق بغيره ممّن وظيفته التقليد.
وبالتأمّل في تضاعيف كلماتنا ينقدح أمران :
أحدهما : منع الأولويّة المتوهّمة في هذا المقام بناء على تجدّد انكشافات الميّت بعد الموت بالنظر إلى ظنّه حال الحياة ، لأنّه إذا جاز العمل بظنّه فلأن يجوز العمل بالانكشافات العلميّة بعد الموت طريق الأولويّة.