وبالجملة فعلى تقدير وجود مرجّح الدلالة تكون المسألة من تعارض الأظهر والظاهر ، ومن الظاهر تقديم الأظهر على الظاهر.
لا يقال : إنّ الجمع في تعارض العامّين من وجه وما بمعناهما ممكن ، بل لم يزل واقعا حتّى على ما ذكرت من وجوب التوقّف ، بتقريب : أنّ المراد بالجمع المبحوث عنه ما يقابل الطرح على وجه التخيير أو على وجه الترجيح الّذي هو من عوارض السند ، فيراد بالجمع حينئذ الأخذ بسندي العامّين على معنى البناء على صدورهما ، فيكونان كالسندين القطعيّين وهو يستلزم بعد إرجاع التأويل إلى أحدهما للأخذ بدلالتيهما أيضا أن تعيّن محلّ الدلالة المجازيّة بقرينة أو شاهد خارجي أو مرجّح دلالتي أو تساقط الدلالتين من جهة التعارض ثمّ الرجوع إلى الأصل أو التوقّف فيهما من جهة طروّ الإجمال لهما ثمّ الرجوع إلى الأصل ، أو الأخذ بما وافق منهما الأصل على مذهب من يرى موافقة الأصل من المرجّحات ، وهذه الأحكام كلّها كما ترى من خواصّ الجمع بالمعنى المذكور وآثاره المترتّبة عليه ، إذ على تقدير الطرح السندي لأحدهما لم يتّجه شيء منها كما هو واضح. فالتوقّف المتقدّم ثمّ الرجوع إلى الأصل متفرّع على الجمع ، ومعه كيف يقال بعدم اندراج عنوان المسألة الثانية في القضيّة المشهورة إمّا لعدم إمكان الجمع فيه أو لعدم جريان أدلّة هذه القضيّة فيه؟
لأنّا نقول : إنّ المراد بالجمع وإن كان ما ذكر ولكن لا على إطلاقه ، بل بحيث يؤدّي إلى العمل بدلالتي الدليلين الحقيقيّتين أو المجازيّتين أو المختلفتين بالحقيقة والمجاز ، وإذا لم يتعيّن محلّ الدلالة المجازيّة بسبب الإجمال الناشئ من معارضة أصالة الحقيقة في أحدهما لمثلها في الآخر دخل الجمع في غير الممكن ولو باعتبار عدم إمكان قيده.
المسألة الثالثة : فيما كان الجمع بينهما بإرجاع التأويل إليهما معا بتخصيص أو غيره من سائر أنواع التجوّز ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من مورد القضيّة المشهورة ، بل الظاهر اختصاصها بها بل هو المقطوع به ، لخروج الصورتين المتقدّمتين عنها خروجا موضوعيّا حيث لا تعارض بين النصّ والظاهر حقيقة لضابطة الورود أو الحكومة حسبما بيّنّاه ، ولو فرض فيهما تعارض فهو بدويّ صوري لا يعبأ به في باب تعارض الدليلين ، ولا يمكن الجمع بين العامّين من وجه وما بمعناهما حسبما قرّرناه بما لا مزيد عليه ، مع ما سمعت من بياناتنا الاخر لمنع جريان القضيّة المشهورة في الصورة الثانية ، مضافا إلى عدم انطباق الاستدلال الآتي عليها مع ما اعترض عليه وما ردّ به الاعتراض إلاّ على