الحقيقة من الباقي فلا إشكال أيضا في تعيّن حمل كلّ منهما على أقرب مجازاته ـ بضابطة أنّه إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات أولى ـ وإلاّ فإن أقام قرينة في كلّ منهما على تعيين بعضها فلا إشكال في تعيّن الحمل عليه أيضا ، وإلاّ فلا سبيل في شيء منهما إلى حمله على أحد مجازاته المحتملة لمكان الإجمال ، باعتبار تردّده بعد تعذّر حقيقته بين مجازاته ، فمثل هذا ممّا لا يمكن فيه الجمع ، فلا مناص من الوقف ثمّ الرجوع إلى الأصل ، وكذا نفرض هذه الصور الأربع في الظنّيين ، والصورة الرابعة ما تعذّر حقيقة كلّ من المتعارضين وتعدّد مجازاته ولم يكن بعضها أقرب من بعض ولم يقم قرينة خارجيّة أيضا على تعيين بعضها ، ففي مثل ذلك كيف يقال : بأنّ الجمع بينهما أولى من طرح أحدهما؟
وبالتأمّل فيما ذكرنا ينقدح فساد ما قد يقال : من أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على حجّية الدليلين المتعارضين ـ كالخبرين ونحوهما ـ أو عمومه لزوم الجمع بينهما والعمل بهما مهما أمكن ، فإنّهما في حدّ ذاتهما وإن كانا ظنّيين إلاّ أنّ دليل حجّيتهما يصيّرهما كالقطعيّين ، وكما أنّ القطعيّين كالكتابين والخبرين المتواترين إذا تعارضا يجمع بينهما ويعمل بهما فكذا ما هو بمنزلتهما ، إذ لو اريد بالجمع الأخذ بسندي المتعارضين على وجه يؤخذ معه بمدلوليهما المجازيين ويجعل دلالتهما المجازيّة مدركا للحكم الشرعي ومناطا لاستنباطه كما هو معنى العمل بهما فهو غير ممكن في القطعيّين والظنّيين معا.
وإن اريد به مجرّد حفظ سنديهما عن الطرح ولو بإبداء احتمال بعيد في دلالتيهما المجازيّتين وإن لم يترتّب عليه فائدة العمل واستنباط الحكم الشرعي ، نظرا إلى أنّه كما أنّ قطعيّة سندي القطعيّين تأبى عن طرح أحدهما والحكم عليه بعدم الصدور ، فكذلك حجّية سندي الظنّيين تأبى عن طرح أحدهما والحكم عليه بعدم الصدور كما هو طريقة الشيخ في الجمع بين الأخبار المتعارضة الّذي تداوله في التهذيبين.
ففيه : أنّه جمع لا يجدي نفعا في علاج التعارض ، وليس من الجمع المبحوث عنه المقابل للطرح في مسألتي التعادل والترجيح.
هذا مع إشكال آخر يرد على الاستدلال بإطلاق أدلّة حجّية السند لإثبات أولويّة الجمع والمنع من الطرح ، فإنّ الطرح لا ينافي مقتضى أدلّة الحجّية ولا يوجب تقييدا في مطلقاتها ولا تخصيصا في عموماتها حتّى يتمسّك لمنعه بإطلاقها وعمومها.
وتوضيحه : أنّ منع العمل بالدليل الظنّي قد يكون لفقد المقتضي لجواز العمل به ، وقد