ومنها : الخلوص عن اضطراب المتن بالقياس إلى ما فيه اضطراب كما في أكثر روايات عمّار (١).
ومنها : كون أحدهما منقولا باللفظ والآخر بالمعنى فيحتمل فيه ما لا يحتمل في اللفظ المسموع بعينه.
والثاني أيضا ممّا لا حصر لمصاديقه بحسب الخارج ، فإنّ المصالح الباعثة للإمام على بيان خلاف الواقع أو إيراد الكلام بصورة خلاف الواقع وإن قصد به التورية كثيرة بل غير محصورة ، غير أنّ الغالب تحقّقه في أخبارنا الموجودة بأيدينا اليوم إنّما شيء واحد يعبّر عنه بأمارة التقيّة ، وهي موافقة ظاهر الخبر لمذهب أهل الخلاف قبالا لما خالف ظاهره مذهبهم ، فيحكم على الأوّل بالصدور على وجه التقيّة ، وهو من وجوه الصدور لأجل بيان خلاف الواقع على بعض التقادير ، ويلزم منه الظنّ بكون صدور الثاني لأجل بيان الحكم الواقعي.
واعلم أنّ صدور الخبر على وجه التقيّة يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يريد به الإمام عليهالسلام ظاهره المخالف للواقع لمصلحة التقيّة فيكون من الكذب الّذي سوّغته الضرورة.
وثانيهما : أن يريد به خلاف ظاهره المطابق للواقع من دون نصب قرينة عليه لمصلحة التقيّة ، وإذا فرضنا في كلام صادر منه تقيّة أنّ مصلحة التقيّة تتأدّى بكلّ منهما ـ كما لو قال : « غسل الرجلين في الوضوء واجب » مثلا حيث إنّ مصلحة التقيّة تحصل بإرادة ظاهر الغسل وبإرادة المسح منه من غير قرينة عليه ، فعلى الأوّل يصير كذبا وعلى الثاني مؤوّلا وتورية ـ ودار حمل كلامه على الكذب أو على التورية ، فقد يقال : إنّ الاولى من جهة الاعتبار بالنظر إلى العصمة ورتبة الإمامة وقضاء القوّة العاقلة الحكم عليه باختيار التأويل والحمل على التورية ، صونا لكلامه عن الكذب الّذي هو قبيح عقلا ومحرّم شرعا ولا يسوّغه إلاّ الضرورة ، ولا يكون مصلحة التقيّة من الضرورة المسوّغة له إلاّ حيث لا مندوحة عنه ، والتقيّة بطريق التورية مندوحة.
وفي كلام بعض مشايخنا قدسسره : « أنّ هذا أليق بالإمام بل هو اللائق إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكّن من التورية ».
ويشكل إطلاق ذلك بأنّ هذا إنّما يتّجه إذا كان هذا الدوران حاصلا في نظر الإمام كما
__________________
(١) أي عمّار الساباطي.