.................................................................................................
______________________________________________________
قلت : كلّا ، لا معارضة بينهما وإن كانت النسبة بين الإطلاقين عموماً من وجه ، إذ الصحيحة ناظرة إلى الآية المباركة ، فهي حاكمة عليها شارحة للمراد منها ، لا من قبيل الحكومة المصطلحة ، بل بمعنى صلاحيّتها للقرينيّة بحيث لو اجتمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً في المراد.
فلو فرضنا أنّ الصحيحة كانت جزء من الآية المباركة بأن كانت هكذا : فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدّة من أيّام أُخر ، ومن كان معذوراً فأفطر استمر به المرض إلى رمضان آخر فليتصدق. لم يتوهّم العرف أيّة معارضة بين الصدر والذيل ، بل جعل الثاني قرينة للمراد من الأول ، وأنّ وجوب القضاء خاصّ بغير المعذور الذي استمرّ به المرض ، أمّا هو فعليه الفداء ليس إلّا.
وهذا هو المناط الكلّي في تشخيص الحكومة وافتراقها عن باب المعارضة كما نبّهنا عليه في بعض مباحثنا الأُصوليّة (١) ، فإذا لم يكن تعارض لدى الاتّصال وفي صورة الانضمام لم يكن مع الانفصال أيضاً. هذا أوّلاً.
وثانياً : لو سلّمنا المعارضة فإنّما هي بالإطلاق المتحصّل من جريان مقدّمات الحكمة لا في الدلالة الوضعيّة. وقد ذكرنا في محلّه (٢) أنّ في تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه يحكم بالتساقط ولا يرجع إلى المرجّحات من موافقة الكتاب ونحوه ، لكون موردها ما إذا كانت المعارضة بين نفس الدليلين لا بين الإطلاقين ، بل المرجع بعد التساقط أمر آخر من عموم أو أصل ، ومقتضى الأصل في المقام البراءة عن القضاء الذي هو بأمر جديد مدفوع بالأصل لدى الشكّ فيه ، إذ ليس لدينا عموم يدلّ على القضاء عدا ما سقط بالمعارضة المفروضة ، ولكن يحكم بوجوب الفداء استناداً إلى عموم موثّقة سماعة الآتية.
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٤٨ ٢٥٠.
(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٤٢٩ ٤٣٠.