.................................................................................................
______________________________________________________
ثمّ إنّ كلّ مورد حكمنا فيه بجواز الخروج لا بدّ من الاقتصار فيه على المقدار الذي لا يزول معه عنوان الاعتكاف بأن يكون زمانه يسيراً كربع ساعة أو نصف ساعة مثلاً وأمّا المكث الطويل خارج المسجد كما لو خرج لمحاكمةٍ فاستوعب تمام النهار ، فضلاً عمّا لو استوعب تمام الأيّام الثلاثة لضرورةٍ دعته للخروج بعد ساعة من اعتكافه مثلاً فلا ينبغي التأمّل في البطلان حينئذٍ ، للزوم صدق العنوان وبقائه في الحكم بالصحّة كما هو ظاهر ، والمفروض انتفاؤه.
ثمّ إنّ القادح في الصحّة إنّما هو الخروج الاختياري ، دون ما لا يستند إلى الاختيار كما لو أُخذ وجُرَّ عن المسجد أو مشى في نومه وخرج عن المسجد كما ربّما يتّفق لبعض الأشخاص ، لانصراف النصوص عن ذلك ، فإنّها ظاهرة ولا سيّما بملاحظة استثناء الحاجة في الخروج الاختياري ، فإنّ النهي عن الخروج في هذه النصوص وإن لم يتضمّن التكليف إلّا في اليوم الثالث وإنّما هو إرشاد إلى الفساد ، إلّا أنّ المنسبق منها بحكم الانصراف أنّ المفسد إنّما هو الخروج المستند إلى الإرادة والاختيار كما لا يخفى.
وأوضح من الكلّ الصحيحة الثانية لداود بن سرحان ، حيث سأل الإمام (عليه السلام) عمّا يفرضه على نفسه لدى التصدّي للاعتكاف فأجاب (عليه السلام) بقوله : «لا تخرج» إلخ ، فإنّ من الواضح أنّ افتراض الإنسان والتزامه لا يكاد يتعلّق إلّا بالأمر الاختياري ، وقد أقرّه (عليه السلام) على ذلك ، فيكشف هذا عن أنّ المراد بالخروج في الجواب هو الاختياري منه ، فغير الاختياري لا مانع منه إلّا إذا بلغ حدّا زال معه عنوان الاعتكاف كما مرّت الإشارة إليه آنفاً.