.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا مع الجهل فالمعروف والمشهور أنّه ملحق بالنسيان والاضطرار ، ولكن الأمر ليس كذلك على ما حقّقناه في الأُصول (١) ، إذ الجهل لا يرتفع به الحكم الواقعي ، فمن كان شاكّاً في غصبيّة الماء مثلاً وهو متمكّن من الاحتياط فغاية ما هناك أن يحكم عليه بالحلّيّة الظاهريّة ، استناداً إلى قاعدة اليد أو أصالة الإباحة. وأمّا الواقع فهو باقٍ على حاله وقابل للامتثال ولو بالاحتياط ، فهو حكم فعلي ثابت في حقّه يتمكّن من امتثاله ، ومعه كيف يمكن أن يكون هذا الحرام الواقعي مصداقاً للواجب ومقرّباً من المولى بمثل صرفه في الوضوء ونحوه مع ما بينهما من التضادّ؟! فهذا داخل في الحقيقة في باب النهي عن العبادة ، لا في باب اجتماع الأمر والنهي كما اختاره في الكفاية (٢) وعليه المشهور ، بل ادّعي الإجماع كما في مفتاح الكرامة (٣) على صحّة الوضوء بالماء المغصوب جهلاً.
ولكنّها بمراحل عن الواقع ، إذ لا موقع لدعوى الإجماع التعبّدي في مثل هذه المسألة المبنيّة عندهم على القواعد ، وقد عرفت أنّ مقتضاها البطلان ، لعدم الاندراج في باب اجتماع الأمر والنهي ، بل هي من موارد النهي عن العبادة ، لكون الفعل بنفسه مصداقاً للحرام الواقعي.
فليس المانع من الصحّة عدم قصد القربة كما توهّمه في الكفاية حتّى يقال بإمكانه مع الجهل ، ولا الحرمة المنجّزة كي يقال بارتفاعها في ظرف الجهل ، بل المانع هو الحرمة الفعليّة الواقعيّة وإن لم تكن منجّزة ، إذ لا أثر للعلم فيما هو ملاك المانعيّة من امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب ، وإنّما تختصّ المانعيّة بالحرمة
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٥.
(٢) الكفاية : ١٥٦ ١٥٧.
(٣) مفتاح الكرامة ١ : ١٢٩.