.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ، في ذيل صحيحة الحلبي هكذا : «ولا يخرج في شيء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ، ولا يجلس حتّى يرجع» إلخ ، من غير أن يذكر هنا كلمة «ثمّ». وظاهر هذه الفقرة هو المنع مطلقاً قبل القضاء وبعدها تحت الظلال وغيرها. وحملها على الجلوس بعد العيادة أو الجنازة بلا موجب.
ولكن لا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق :
إمّا لأجل أنّه خلاف المتعارف جدّاً ، فإنّ التشييع بلا جلوس وإن أمكن ولكن العيادة بدونه غير ممكنة عادةً ، للافتقار إلى المكث عند المريض والاستفسار عن صحّته وانتظار يقظته لو كان نائماً ، ونحو ذلك ممّا يستلزم الجلوس بطبيعة الحال ، فلا مناص من حمل النهي على إرادة الجلوس بعد قضاء الحاجة ، فيخرج عن محلّ الكلام كما عرفت.
وإمّا لأجل التقييد بالظلال في صحيحة ابن سرحان المتقدّمة ، فإنّ القيد وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح إلّا أنّه يدلّ على عدم تعلّق الحكم بالطبيعي على إطلاقه ، وإلّا لكان القيد لغواً وبلا فائدة كما نبّهنا عليه في الأُصول (١) ، فلو كان الجلوس مطلقاً في المقام ممنوعاً فما هو وجه الخصوصيّة في التقييد بالظلال؟! فلا جرم يحمل المطلق على المقيّد ، لا لقانون الحمل عليه لعدم جريانه في النواهي كما لا يخفى ، بل لأجل المفهوم بالمعنى الذي عرفت. إذن لا دليل على ممنوعيّة الجلوس على سبيل الإطلاق ، بل المتيقّن هو الجلوس تحت الظلال حسبما عرفت.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٧٧ ٣٨٠.