فإن قلت : لم لم يجعلوه اسم مفعول من سرّج الله وجهه أي بهّجه وحسّنه (١).
______________________________________________________
كما يأتي تفصيله ـ فبعيد ، فلذا يكون غريبا.
وأمّا تفصيل الكلام في غرابة (مسرّج) فلأنّ «مسرجا» تارة فسّر بالسّيف السّريجي في الدّقّة والاستواء ، وأخرى بالسّراج في البريق واللّمعان ، والتّفسير الأول نسب إلى ابن دريد ، والثّاني إلى ابن سيدة ، وكلّ منهما بيان لحاصل المعنى ، فإنّ نفس المعنى المستعمل فيه «مسرّجا» هو مفهوم منسوب إلى السّراج من حيث إنّه شبيه به في البريق واللّمعان أو إلى السّريجيّ من حيث إنّه شبيه به في الدّقّة والاستواء.
ثمّ وجه الغرابة في قوله «مسرّجا» أنّهم لمّا رأوا أنّ قوله «مسرّجا» لمكان أنّه اسم مفعول مشتقّ لا بدّ فيه من أصل يرجع إليه قضاء لحقّ الاشتقاق ففتّشوا كتب اللّغة ولم يجدوا فيها التّسريج ، بل وجدوا من هذه المادّة السّراج والسّريجي هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى رأوا أنّه لا يصحّ أن يلتزموا بخطأ قوله : «مسرّجا» لكونه صادرا من شخص عارف باللّغة ، ومن ناحية ثالثة رأوا أنّ الفعل المشتقّ من التّفعيل يستعمل كثيرا في نسبة الشيء إلى مبدئه المجرّد حقيقيّا كان أو جعليّا ، كقولهم فسّقته وكرّمته وتمّمته أي نسبته إلى الفسق والكرم والتّميم ، وكذلك اسم مفعول مشتقّ منه ، فعلى ضوء تلك النّواحي التزموا بأنّ قوله «مسرجا» يكون للنّسبة إلى السّراج أو السّريجي.
ثمّ إنّه لمّا كانت النّسبة محتاجة إلى ملاك مصحّح لها مثل كثرة بيع اللّبن والتّمر في لابن وتامر ، وكثرة الفسق والكرم في فسّقته وكرّمته ، وكثرة التّولد من التّميم في تمّمته ولم يكن في المقام ما يكون صالحا لا يكون ملاكا لنسبة الأنف إلى السّراج أو السريجي إلّا كونه شبيها بهما التزموا بأنّ قوله : «مسرّجا» للنّسبة التّشبيهيّة وإن كان هذا بعيدا لعدم كونه متعارفا لأنّ الفعل المشتقّ من التّفعيل أو الصّفات المشتقّة منه ، وإن كان يجيء للنّسبة كثيرا إلّا أنّه يجيء لنسبة غير تشبيهيّة ، فحمل «مسرّجا» على النّسبة التّشبيهيّة بعيد جدّا ، ومن ذلك يعدّ غريبا ، فوجه الغرابة عدم مجيء الوصف للنّسبة التّشبيهيّة في محاوراتهم ، وهنا وجوه أخرى للغرابة تركناها رعاية للاختصار.
(١) حاصل السّؤال أنّا نجعل «مسرّجا» اسم مفعول من سرّج الله وجهه أي نوّره ، فمعنى «مسرّجا» منوّرا ، وحينئذ يكون قوله «مسرّجا» خاليا من الغرابة إذ ليست فيه نسبة تشبيهيّة فيكون فصيحا.