الجبهة ثمّ استعير لكلّ واضح معروف (١) [وفيه نظر (٢)] لأنّ الكراهة في السّمع إنّما هي من جهة الغرابة المفسّرة بالوحشيّة مثل تكأكأتم (٣) وافرنقعوا (٤) ونحو ذلك (٥). وقيل (٦) : لأنّ الكراهة في السّمع وعدمها يرجعان إلى طيب النّغم وعدم الطّيب لا إلى نفس اللّفظ.
______________________________________________________
(١) كلمة «من» في قوله : «من الخيل الأبيض» تبعيضيّة ، ومن الخيل خبر للأغرّ ، الأبيض الجبهة بيان له ، فيكون المعنى : الأغرّ هو بعض الخيل الّذي هو الأبيض الجبهة ، ثمّ استعمال الأغرّ في سيف الدّولة على نحو الاستعارة المصرّحة لأنّ الاستعارة عبارة عن أن يشبّه شيء بشيء في النّفس ثمّ تركت أركان التّشبيه سوى لفظ المشبّه به ، ويراد به المشبّه ، والمقام من هذا القبيل حيث شبّه الشّاعر في نفسه سيف الدّولة ببياض جبهة الفرس في الوضوح والظّهور ، ثمّ ترك أركان التشبيه سوى لفظ المشبّه به أعني الأغرّ ، وأراد منه المشبّه أعني سيف الدّولة.
(٢) أي في اشتراط الخلوص من الكراهة في السّمع في الفصاحة نظر ، وحاصل الإشكال أنّ الكراهة في السّمع على زعم الشّارح مسبّب عن الغرابة ، واشتراط الخلوص عن الغرابة في الفصاحة يغني عن اشتراط الخلوص من الكراهة ، لأنّ الخلوص عن الغرابة مستلزم للخلوص عن الكراهة في السّمع ، ضرورة أنّ انتفاء العلّة مستلزم لانتفاء معلولها. وقد أشار إلى ما ذكرناه في وجه النّظر بقوله : «لأنّ الكراهة في السّمع إنّما هي من جهة الغرابة ...».
(٣) أي اجتمعتم.
(٤) أي تفرّقوا.
(٥) مثل اطلخمّ اللّيل ، بمعنى اظلمّ.
(٦) أي قيل في بيان وجه النّظر إنّ الكراهة في السّمع ليست راجعة إلى جوهر اللّفظ وذاته ، بل إنّما هي راجعة إلى الصّوت أي عدم طيب الصّوت لأنّ النّغم جمع نغمة وهي الصّوت ، يقال : فلان حسن النّغمة إذا كان حسن الصّوت ، أو قبيح النّغمة إذا كان أنكر الصّوت ، فإذا لا يمكن اعتبار الخلوص منها في فصاحة الكلمة ، إذ يلزم من ذلك أن تصير الألفاظ الفصيحة غير فصيحة إذا أدّيت بنغم قبيحة ، والألفاظ الغير الفصيحة فصيحة إذا أدّيت بنغم حسنة ، وفساد هذا غنيّ عن البيان.