[وفيه نظر (١)] ، لأنّ كلّا من كثرة التّكرار وتتابع الإضافات إن ثقل اللّفظ بسببه على اللّسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتّنافر ، وإلّا فلا يخلّ بالفصاحة (٢) وكيف وقد وقع في التّنزيل (٣) : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ)(١) ـ (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(٢) ـ
______________________________________________________
(١) أي في القول باشتراط الفصاحة بالخلوص عن كثرة التّكرار وتتابع الإضافات نظر وإشكال ، وحاصله : إنّ ذلك القائل يدّعي بأنّ كثرة التّكرار وتتابع الإضافات مخلّ بالفصاحة مطلقا ، فلا بدّ من اشتراط الخلوص منهما.
وحاصل الرّدّ عليه : أنّا لا نسلم ذلك الإطلاق ، بل الحقّ التّفصيل ، وهو إن حصل في اللّفظ ثقل بهما ، كانا مخلّين بالفصاحة ، لكنّ الاحتراز عنهما حصل بالاحتراز عن التّنافر لما عرفت من أنّ التّنافر عبارة عن كون الكلمات ثقيلة على اللّسان ، وإن لم يحصل في اللّفظ ثقل بسببهما ، فلا يخلّان بالفصاحة ، فلا يصحّ الاحتراز عنهما أصلا.
وبالجملة إنّ كلّ من كثرة التّكرار وتتابع الإضافات لا يخلو عن أحد الاحتمالين :
أحدهما : أن يكون كلّ منهما موجبا للثّقل.
وثانيهما : أن لا يكون كذلك ، ولا يصحّ اشتراط خلوص الكلام عنهما في الفصاحة على كلا التّقديرين ، إذ على التّقدير الأوّل كلّ منهما داخل في التّنافر ، فيكفي الخلوص عنه في الخلوص عنهما ، وعلى الثّاني لا يخلّ بالفصاحة ، كي يجب الاحتراز عنهما.
(٢) فلا يلزم الاحتراز عنهما في الفصاحة.
(٣) «كيف» استفهام إنكاريّ تعجّبيّ ، أي أتعجّب كيف يصحّ القول بأنّهما يخلّان بالفصاحة مطلقا ، وقد وقع كلّ منهما في التّنزيل ، ويحتمل أن يكون فاعل وقع (مِثْلَ) في قوله : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ،) ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا يعود على كلّ واحد من كثرة التّكرار وتتابع الإضافات فقوله : (مِثْلَ دَأْبِ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي ذلك مثل دأب قوم نوح.
__________________
(١) سورة المؤمن : ٣٢.
(٢) سورة مريم : ١.