والحومة معظم الشّيء ، والجندل (١) أرض ذات حجارة والسّجع هدير الحمام ونحوه وقوله : فأنت بمرأى أي بحيث تراك سعاد وتسمع صوتك (٢) ، يقال : فلان بمرأى منّي ومسمع ، أي بحيث أراه وأسمع قوله ، كذا في الصّحاح (٣). فظهر فساد ما قيل : إنّ معناه أنت بموضع ترين منه سعاد وتسمعين كلامها ، وفساد ذلك ممّا يشهد به العقل والنّقل (٤).
______________________________________________________
(١) أي الجندل أرض ذات حجارة على ما في الأساس. والّذي في الصّحاح إنّ الجندل بسكون النّون ، نفس الحجارة. وأمّا الأرض ذات الحجارة فيقال لها : جندل بفتح الجيم والنّون وكسر الدّال ، فعلى ما في الصّحاح يكون تفسير الشّارح ناظرا إلى ما في أصل اللّغة ، فيكون إرادة الأرض من الجندل من قبيل إرادة المحلّ من اللّفظ الموضوع للحالّ ، ويمكن أن يقال : إنّ الشّارح قد ثبت عنده بالنّقل الصّحيح قراءة «الجندل» بكسر الدّال فتكون النّون عندئذ مسكّنة للضّرورة ، ثمّ إنّ الدّاعي على ما ذكر من أحد الأمرين أنّ «جرعى» قد حملت على نفس الأرض ، فيناسب ذلك أن يكون «الجندل» أيضا كذلك أي نفس الأرض فحينئذ تكون إضافة «جرعى» إلى «حومة» بيانيّة ، وإضافة «حومة» إلى «الجندل» بتقدير في.
(٢) أي كأنّه أنت في مكان تراك فيه سعاد وتسمع صوتك منه ، ف «حيث» ظرف مكان ، والباء بمعنى في.
(٣) يعني أنّ ما في الصّحاح يفيد أنّ المجرور بمن بعد «مرأى ومسمع» هو فاعل الرّؤية والسّماع ، أي هو الرّائي والسّامع ، فعليه لا وجه لما ذكره الزّوزني من أنّ المعنى (أنت بحيث ترين سعاد وتسمعين صوتها) فإنّه مخالف لما ذكره الصّحاح ، وأيضا لا يساعد ما ذكره الزّوزني العقل ، وذلك لأنّه إذا كانت الحمامة تسمع صوت سعاد المحبوبة كان عليها السّكوت لا السّجع ، فإنّه مخلّ بالسّماع.
(٤) أمّا فساده نقلا فلما ذكره عن الصّحاح من أنّه يفيد أنّ فاعل الرّؤية هو المجرور بمن ، وكلام الزّوزني يقتضي أن يكون المجرور بمن مفعولا.
وأمّا فساده عقلا : فلأنّ الحمامة إذا كانت تسمع صوت المحبوبة فلا يحسن في نظر العقل طلب تصويتها ، لأنّه يفوت سماعها ، بل اللّائق طلب الإصغاء ، فكان الواجب على الشّاعر أن يقول اسمعي أو اسكتي أو انصتي.