[فعلم] ممّا تقدّم (١) [أنّ كلّ بليغ] كلاما كان أو متكلّما على سبيل استعمال المشترك في معنييه (٢) أو على تأويل كلّ ما يطلق عليه لفظ البليغ (٣) [فصيح] لأنّ الفصاحة مأخوذة في تعريف البلاغة مطلقا (٤)
______________________________________________________
وقد ظهر الجواب عنه بما ذكرناه من أنّها تفيد العموم الاستغراقي إذا كانت موصوفة كما في قولك : أكرم رجلا عالما ، وما نحن فيه من هذا القبيل حيث تكون النّكرة ـ أعني الكلام ـ موصوفة بوصف البلاغة فتفيد العموم الشّمولي بالقياس إلى جميع مصاديق الوصف ، فلا وجه لتوهّم عدم الشّمول.
فالمعنى حينئذ والبلاغة في المتكلّم : ملكة يقتدر بها على تأليف أيّ كلام بليغ يتعلّق به قصده ، ثمّ المراد بالعموم هو الاستغراق العرفي ، فلا يرد عليه ما قيل : من أنّ من جملة الكلام البليغ هو القرآن ، مع أنّ المتكلّم لا يقدر على الإتيان بمثله ، فلا يصدق التّعريف على من لا يتمكّن أن يأتي بمثل القرآن ، فلا يكون التّعريف جامعا لاختصاصه بالله تعالى وأنبيائه.
ولكنّ الإنصاف أن يقال : إنّ البلاغة في المتكلّم مقيّدة بقيد الاقتدار فيخرج القرآن بالقيد المذكور ، لعدم اقتدار المتكلّم بالإتيان بمثل القرآن.
(١) أي ممّا تقدّم من تعريف البلاغة والفصاحة ، فيكون قوله : «فعلم» تفريعا على ما تقدّم من تعريف أقسام الفصاحة والبلاغة ، ويكون المقصود منه هنا هو بيان النّسبة بين البليغ والفصيح بعد تعريفهما ، وبيان مرجع البلاغة ، وبيان الحاجة إلى الفنون الثّلاثة ، وانحصار الفنون في الثّلاثة.
(٢) أي يصحّ إطلاق البليغ على الكلام والمتكلّم معا في استعمال واحد ، بناء على القول بجواز استعمال اللّفظ المشترك في معنييه ، فإنّ البليغ موضوع للكلام والمتكلّم بوضعين مختلفين فيكون البليغ مشتركا بين الكلام والمتكلّم.
(٣) يعني أو على تأويل البليغ بما يطلق عليه لفظ البليغ عند من لا يجوّز استعمال المشترك في معنييه بأن يكون أمرا كلّيّا تحته فردان ، فيكون البليغ من قبيل المشترك المعنوي الّذي يسمّى بالمتواطئ ، ثمّ إضافة تأويل إلى كلّ بيانيّة.
(٤) أي بلاغة كلام أو بلاغة متكلّم ، غاية الأمر إنّ الفصاحة مأخوذة في بلاغة الكلام