الإسناد إليه حقيقة ، وكذا أقدمني بلدك حقّ لي على فلان (١) ، بل الموجود ههنا هو السّرور والزّيادة والقدوم (٢) واعترض عليه (٣) الإمام فخر الدّين الرّازي بأنّ الفعل لا بدّ
______________________________________________________
حقيقة له ، فبيّن المصنّف أنّ له حقيقة خفيت على الشّيخ ، لأنّ حقّ الإسناد فيه لله تعالى ، وبالجملة إنّ الشّيخ لا يوجب في المجاز العقليّ أن يكون للفعل فاعل محقّق في الخارج أسند إليه الفعل حقيقة إسنادا يعتدّ به بأن يقصد في العرف والاستعمال إسناد الفعل إلى ذلك الفاعل ، وأمّا موجدها هو الله تعالى فلا نزاع فيه.
(١) أي إسناد الإقدام إلى الحقّ مجاز عقليّ ، وليس للإقدام فاعل حقيقيّ ، وحاصل توجيه المجاز العقليّ فيه على مذهب الشّيخ أن يقال : إنّه بولغ في كون الحقّ له دخل في تحقّق القدوم ، ففرض إقدام صادر من فاعل متوهّم ، ثمّ نقل عنه ، وأسند إلى الحقّ مبالغة في ملابسته للقدوم ، كما ينتقل إسناد الفعل من الفاعل الحقيقيّ في المثال المذكور ليس موجودا محقّقا في الخارج ، بل الإسناد إلى الفاعل الحقيقيّ متوهّم مفروض ، ولا يعتدّ بإسناد الفعل للفاعل المتوهّم المفروض ، وعلى هذا يحمل قول الشّيخ ليس لهذه الأفعال فاعل أي فاعل محقّق في الخارج يعتدّ بإسنادها إليه. ويحتمل أنّه مجاز مرسل إن أريد بالإقدام الحمل على القدوم أو استعارة بالكناية إن شبّه الحقّ بمقدّم تشبيها مضمرا في النّفس ، وطوى ذكر المشبه به وهو المقدّم ورمز له بذكر لازمه وهو الإقدام تخييلا.
(٢) وهو ليس من محلّ الكلام ، لأنّ الكلام إنّما هو في فاعل الفعل المتعدّي لا في فاعل الفعل اللّازم ، فانتفاء الفاعل الحقيقيّ أعني فاعل المتعدّي لعدم وجود الفعل المتعدّي.
فإن قيل : كيف يصحّ القول بانتفاء المتعدّي مع تحقّقه قطعا.
فالجواب : إنّ المراد أنّ المتكلّم بهذه الأفعال لم يقصد معنى المتعدّي والإخبار عنه وإن كان متحقّقا في الواقع إلّا على سبيل التّخييل ، فالحكم بانتفاء المتعدّي بالنّظر للمقصود من الكلام لا بالنّظر إلى الواقع.
(٣) أي على الشّيخ عبد القاهر ، وحاصل اعتراض الإمام الرّازي على ما ذكره الشّيخ عبد القاهر هو أنّ كل فعل لا بدّ له من فاعل وذلك لاستحالة صدوره بلا فاعل ، فإن كان ذلك الفاعل هو ما أسند إليه الفعل فلا مجاز وإلّا فيمكن تقديره ، فاعتقد المصنّف صحّة هذا الكلام فقدّر الفاعل في المثالين الله تعالى ، لأنّه الفاعل الحقيقيّ.