لمطابقة (١) ذلك الواحد الحقيقة يعني (٢) يطلق المعرّف بلام الحقيقة الّذي هو
______________________________________________________
عنها ، ألا ترى إنّك إذا تعرف معنى الإنسان وتميّزه عن معاني البقر والغنم وغيرهما تعرف أفراد الإنسان وتميّزها عن أفراد البقر والغنم وغيرهما أيضا ، والسّرّ في ذلك كون الأفراد مشتملة على الحقيقة ومنشأ لانتزاعها ، وكون الحقيقة صادقة عليها ومتّحدة معها في الوجود الخارجيّ ، فكلّ فرد من أفراد حقيقة معيّنة معهود ومميّز بتبعها عن كلّ فرد من أفراد حقيقة أخرى. نعم ، كلّ فرد من هذه الأفراد لا يمكن أن يصير معهودا ومميّزا عن سائر تلك الأفراد بتبع تمييز الحقيقة عن سائر الحقائق ، بل لا بدّ في ذلك من العلم بالمشخّصات الخارجيّة فإنّ الحقيقة صادقة على جميعها بالتّواطئ ، فلا يمكن أن تقع ما به الامتياز لكلّ منها بالقياس إلى غير ما يشاركه في هذه الحقيقة.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : إنّ لواحد من الأفراد حظّا من التّعيّن والتّميّز في ضمن تعيّن الحقيقة وتميّزها ، وإن لم يكن له تميّز تامّ بهذا الاعتبار ، فعليه لا مانع من أن يجيء المعرّف بلام الحقيقة له ، إذ يكفي في ذلك هذا المقدار من التّميّز وليس الجمع بينهما كالجمع بين الذّئب والشّاة ، بل إنّما هو كالجمع بين العنوان والمعنون.
(١) علّة لقوله : «عهديّته» أي معهوديّته في الذّهن «لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة» ومعنى مطابقتها لها كون الواحد مشتملا عليها كاشتمال المعنون على العنوان لا كاشتمال الظّرف على المظروف أو مصداقا لها ومتّحدا لها في الخارج.
(٢) قوله : «يعني» إشارة إلى دفع توهّم ناش من قول المصنّف : «وقد يأتي المعرّف بلام الحقيقة لواحد من الأفراد» فإنّه موهم بظاهره أنّ المعرّف باللّام يستعمل في واحد من الأفراد كاستعمال العامّ في الخاصّ فيكون مجازا.
وحاصل الدّفع : إنّ مراد المصنّف من العبارة المذكورة ليس ما يتوهّم من ظاهرها من كون المعرّف باللّام مستعملا في واحد من الأفراد حتّى يصبح مجازا ، بل مراده من الإتيان الانطباق لا الاستعمال بمعنى أنّ المعرّف باللّام قد استعمل في الجنس المعهود لا غيره ، وإنّما الفرد يستفاد من القرينة الخارجيّة ، ك (ادخل) في المثال الآتي ، فحيث إنّ هذا الفرد جزئيّ من جزئيّاته ومطابق له ، أي مشتملا عليه كاشتمال العنوان على المعنون ، أي ينطبق عليه كانطباق العنوان على المعنون ، فعليه ليس من المجاز عين ولا أثر ، فإنّ بين الانطباق على الفرد والاستعمال فيه فرقا لا يخفى على أحد ، فقوله : «يطلق المعرّف ...» أي ينطبق المعرّف بلام الحقيقة.