وبعبارة أخرى إنّ الدّيباجة في المقام لكونها مشتملة على لفظ البيان تشير إلى أنّ مقصود المصنّف في هذا الكتاب هو البحث عن مسائل فنّ البيان الّذي قد عرّفوه بأنّه علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدّلالة عليه. وكيف كان فالبراعة في المقام حاصلة بذكر البيان.
إن قلت : إنّ براعة الاستهلال تحصل بمجرّد ذكر البيان على أيّ نحو كان ، فلا معنى لتعليل عطف الخاصّ على العامّ برعايتها.
قلت : إنّ أكابر العلماء وإن مالوا في التّفصّي عن السّؤال المذكور إلى اليمين والشّمال ، إلّا أنّ الصّحيح في المقام أن يقال إنّ كلّا من البراعة والتّنبيه علّة لعطف الخاصّ على العامّ ، فما ذكر في السّؤال من أنّ براعة الاستهلال تحصل بمجرّد الذّكر فلا وجه لجعلها علّة للعطف لا أساس له.
وتوضيح ذلك يتوقّف على مقدّمة : إنّ المفعول له على قسمين : حصوليّ ، وتحصيليّ :
الأوّل : ما لوجوده الخارجي دخل في صدور الفعل عن الفاعل كما في قولهم : قعدت عن الحرب جبنا ، فإنّ وجود الخوف في الخارج قد أوجب صدور القعود عن الفاعل.
والثّاني : ما لوجوده الذّهني دخل في إيجاد الفعل وصدوره عن الفاعل لا لوجوده الخارجي كما في قولهم : ضربته تأديبا ، فإنّ التّأديب مقدّم على الضّرب في التصوّر ووجوده الذّهني ومؤخّر عنه في الوجود الخارجي ، فالقسم الثّاني يكون بوجوده التصوّري حاملا وباعثا للفاعل نحو الفعل ثمّ الباعث على الفعل قد يكون أكثر من أمر واحد فيكون المفعول له أكثر من أمر واحد.
إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إنّ المفعول له في المقام من قبيل القسم الثّاني : فالمصنّف قبل أن يكتب هاتين الجملتين المعطوفتين قد تعلّق قصده بأن يراعي في أول كتابه براعة الاستهلال ويشير إلى جلالة نعمة البيان فرأى أنّ ما يوصله إلى هذا الغرض إنّما هو جعل تعليم البيان مرتبطا على الأنعام بالواو ، لأنّ مجرّد ذكر البيان وإن كان موجبا للبراعة إلّا أنّه لا يوجب الإشارة إلى جلالة نعمة البيان ، فأقدم على هذا الجعل لغرض الوصول إلى كلا الأمرين أعني : البراعة والإشارة إلى الجلالة ، وهما لا تحصلان بمجرّد ذكر البيان بل إنّما تحصلان بالعطف فيصحّ جعلهما علّة للعطف فإذا صحّ ما ذكره الشّارح.