مهما ولا إن ، بل كلمة مستقلة فيها معنى الشّرط والتّفصيل حلّت محلّ مهما بمعنى إن ، فقولنا : أمّا زيد فقائم ، كان في الأصل : مهما يكن من شيء فزيد قائم ، فحذفت كلمة مهما مع الشّرط تخفيفا وناب عنها أمّا فجعلت الفاء متوسّطة لأنّ حقّ فاء السّببيّة أن تقع في وسط الكلام ، وظاهر كلام الشّارح هو هذا القول. وأضر بنا عن المناقشة في هذه الأقوال تجنّبا عن التّطويل المملّ.
الثّانية : قد وقع النّزاع بينهم في أنّ مهما اسم أو حرف ، واستدلّ من ذهب إلى أنّها حرف بقول زهير :
ومهما يكن عند امرئ من خليقة |
|
وإن خالها تخفى على النّاس تعلم |
بتقريب أنّه قد أعرب خليقة اسما ل (يكن) وجعل من زائدة ، فيتعيّن خلوّ الفعل عن ضمير يرجع إلى مهما الّتي هي موقع مبتدأ على تقدير كونها اسما وإذا ثبت أنّها لا موضع لها من الإعراب تعيّن كونها حرفا.
واختار الجمهور كونها اسما بدليل قوله تعالى : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ)(١) فإنّ الهاء في (بِهِ) عائدة إليها ، ومن المعلوم أنّ الضّمير لا يعود إلّا إلى الاسم.
والحقّ مع الجمهور ، وأمّا الاستدلال بقول زهير فغير صحيح لأنّ اسم يكن ضمير مستتر يرجع إلى مهما ومن خليقة تفسير له.
الثّالثة : أنّه قد وقع الخلاف في إعراب (مهما يكن من شيء فزيد قائم) فذهب أكثرهم إلى أنّ مهما مبتدأ ، ومعناه ما لا يعقل غير الزّمان مع تضمين معنى الشّرط ، وخبره فعل الشّرط وحده أو الجواب وحده أو مجموعهما ، ويكن تامّة بمعنى يوجد وفاعله ضمير راجع إلى مهما ومن شيء بيان لمهما ، وفائدته زيادة البيان والتّعميم ولا يصحّ أن تجعل من زائدة وشيء فاعلا ل (يكن) ، لأنّ المبتدأ ، حينئذ يبقى بلا عائد.
وذهب بعضهم إلى أنّه خبر ل (يكن) على أنّها ناقصة ، وشيء اسمها ، ومن زائدة.
والحقّ هو القول الأوّل لعدم ملزم لنا على جعل من زائدة.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٣٢.