[و] لكونه [أتمّها تحريرا (١)] هو تهذيب الكلام (٢)
______________________________________________________
فإنّه يقال : إنّه يمكن الجواب عن كلا الشّقين فإنّا نختار الشّق الأوّل ونقول : إنّ ما ذكر من لزوم الاستحالة ممنوع ، إذ يكون قوله : «وضع كلّ شيء في مرتبته» عندئذ من قبيل مقابلة الجمع بالجمع وهي تقتضي التّوزيع بحسب الآحاد ، فيكون هذا الكلام بمنزلة أن يقال : التّرتيب وضع كلّ فرد من اللّفظ في مرتبة لائقة به وليس هذا تأويلا بعيدا ليحتاج إلى شاهد ، بل هو الظّاهر منه بحسب المتفاهم العرفي هذا أوّلا.
وثانيا إنّا نختار الشّق الثّاني ، وهو كون الضّمير راجعا إلى المضاف إليه ونقول : إنّ العموم المستفاد من كلّ يلحظ بعد إرجاع ضمير مرتبته إلى الشيء ، فيكون حاصل المعنى حينئذ التّرتيب وضع الشيء في مرتبته أي شيء فلا يرد عليه ما ذكر من المحذور إلّا أنّ الأوّل أقرب من الثّاني لكونه موافقا لما يفهمه العرف من مثل هذا التّركيب.
(١) أي ولكون القسم الثّالث أتمّ الكتب المشهورة تحريرا أي تهذيبا عن الحشو والزّوائد وسائر المعايب.
لا يقال : إنّ مقتضى أفعل التّفضيل كون الكتب المشهورة موصوفة بتمام التّحرير والقسم الثّالث بزيادة التّمام وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به لوجهين :
الأوّل : إنّه ينافي وقوع الحشو والتّطويل ونحوهما في الكتب المشهورة ولازم ذلك التّنافي بين قوله «أتمّها تحريرا» ـ حيث يكون مفاده أنّ الكتب المشهورة تامّة خالية عن المعايب إلّا أنّ القسم الثّالث أتمّها تحريرا وأكثرها تهذيبا وبين ما سيأتي من توصيفه القسم الثّالث بكونه غير مصون من الحشو والتّعقيد والتّطويل.
الثّاني : إنّ تمام الشيء عبارة عن نهايته فلا يقبل الزّيادة لأنّها واحدة وما لا يقبل الزّيادة لا يصاغ منه التّفضيل فلا يصحّ توصيف القسم الثّالث بكونه أتمّ تحريرا من الكتب المشهورة.
فإنّه يقال : إنّ المراد من الأتمّ الأقرب إلى التّمام مجازا فمعنى العبارة حينئذ إنّ الكتب المشهورة قريبة إلى التّمام والقسم الثّالث أقربها إليه وهذا المعنى لا ينافي وقوع الحشو والتّطويل والتّعقيد في القسم الثّالث فضلا عن الكتب المشهورة.
(٢) أي إنّ التحرير في المقام بمعنى تهذيب الكلام وتنقيحه من المعايب لا بمعنى ما يقابل التّقرير أي بيان المعنى بالكتابة مقابلا للتّقرير وهو بيان المعنى بالعبارة.