لأبي الهذيل العلاّف : إنّ ربَّه سبعة أشبار بشبر نفسه. وهذا كفر صريح ، وكان داود الجوازي من كبار متكلّميهم ، يزعم أنَّ ربّه لحم ودم على صورة الإنسان (١).
الجواب : أمّا جمهور متكلّمي الشيعة فلن تجد هذه المزعمة في شيء من مؤلّفاتهم الكلاميّة ، بل فيها نقيض هذه كلّها ودحض شبه الزاعمين خلافهم ، ضع يدك على أيّ من تلك الكتب مخطوطها ومطبوعها ، حتى تأليف هشام نفسه ومن قصدهم الرجل بالقذف المائن ، تجده على حد ما وصفناه.
وأما هشام فأوّل من نسب إليه هذه الفرية الجاحظ (٢) ، عن النظّام ، ورآها ابن قتيبة في مختلف الحديث (٣) (ص ٥٩) والخيّاط في الانتصار (٤) ، وكلّ منهم هو العدوّ الألدُّ للرجل ، لا يؤتمن عليه فيما ينقله ممّا يشوّه سمعة هشام ، فهو لا يزال يتحرّى الوقيعة فيه وفي نظرائه من أيّ الوسائل كانت صادقة أو مكذوبة ، والمذاهب والعقائد يجب أن تؤخذ من أفواه المعتنقين لها أو من كتبهم الثابتة نسبتها إليهم ، أو ممّن يؤتمن عليه في نقلها ، وهذه النسب المفتعلة لم يتسنَّ لها الحصول على شيء من الحالة ، وإنَّما الحالة فيها كما وصفناها.
ثمّ تبع أولئك في العصور المتأخِّرة أهل الهوس والهياج حنقاً على هشام ومبدئه ومن حذا حذوه ، كابن حزم وأمثاله ، ولم يقنع الرجل تفريد هشام بهاتيك الشائنة المائنة ، حتى شرّكه فيها جمهور متكلّمي الرافضة وهم برآء ، والرجل غير مكترث لما أعدَّ الله لكلّ أفّاك أثيم.
__________________
(١) الفِصَل : ٤ / ١٨٢.
(٢) قال أبو جعفر الإسكافي : إنَّ الجاحظ ليس على لسانه من دينه وعقله رقيب ، وهو من دعوى الباطل غير بعيد ، فمعناه نزر ، وقوله لغو ، ومطلبه سجع ، وكلامه لعب ولهو ، يقول الشيء وخلافه ، ويحسن القول وضدّه ، ليس له من نفسه واعظ ، ولا لدعواه حدّ قائم. شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٢٦٧ [١٣ / ٢٥٣ خطبة ٢٣٨]. (المؤلف)
(٣) تأويل مختلف الحديث : ص ٦٨.
(٤) الانتصار : ص ٣٦.