هذه كلّها لا تستريب في أنّه لو كان هناك حديث متواتر يقطع بصدوره عن مصدر الرسالة فهو هذا الحديث ، أو أنّه من أظهر مصاديقه ، كما أنّك لا تستريب بعد ذلك كلّه أنَّ أمير المؤمنين عليهالسلام بحكم هذا الحديث الصادر ميزان الإيمان ومقياس الهدى بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه صفة مخصوصة به عليهالسلام وهي لا تبارحها الإمامة المطلقة ، فإنّ من المقطوع به أنّ أحداً من المؤمنين لم يتحلَّ بهذه المكرمة ، فليس حبُّ أيِّ أحد منهم شارة إيمان ولا بغضه سمة نفاق ، وإنّما هو نقص في الأخلاق وإعواز في الكمال ما لم تكن البغضاء لإيمانه ، وأمّا إطلاق القول بذلك مشفوعاً بتخصيصه بأمير المؤمنين فليس إلاّ ميزة الإمامة ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لولاك يا عليّ ما عُرف المؤمنون بعدي» (١).
وقال : «والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ، ولا من غيرهم من الناس ، إلاّ وهو خارج من الإيمان» (٢).
ألا ترى كيف حكم عمر بن الخطّاب بنفاق رجل رآه يسبُّ عليّا؟! وقال : إنّي أظنّك منافقاً. أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه (٧ / ٤٥٣).
وحينئذٍ يحقّ لابن تيميّة أن ينفجر بركان حقده على هذا الحديث ، فيرميه بأثقل القذائف ، ويصعّد في تحوير القول ويصوِّب.
وأمّا الحديث الأوّل فينتهي إسناده إلى : ابن عبّاس ، وسلمان ، وأبي ذرّ ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي ليلى الغفاري.
أخرج عن هؤلاء جمع كثير من الحفّاظ والأعلام منهم :
الحاكم ، أبو نعيم ، الطبراني ، البيهقي ، العدني ، البزّار ، العقيلي ، المحاملي ، الحاكمي ، ابن عساكر ، الكنجي ، محبّ الدين ، الحمّوئي ، القرشي ، الإيجي ، ابن أبي
__________________
(١) مناقب ابن المغازلي [ص ٧٠ ح ١٠١] ، شمس الأخبار : ص ٣٧ [١ / ١٠٠ باب ٦] ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٠٢ [٣ / ١٥٢] ، كنز العمّال : ٦ / ٤٠٢ [١٣ / ١٥٢ ح ٣٦٤٧٧]. (المؤلف)
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٧٨ [٦ / ٢١٧ خطبة ٧٩]. (المؤلف)