ذلك ، ولكنَّه من قوم لهم أعين لا يُبصرون بها.
ونحن نعلم ما يوسوس به صدره. غاية الرجل من هذا الحكم الباتِّ تغرير الأمّة والتمويه على الحقيقة ، وجعل تلك الحروب الدامية نتيجة رأي واجتهاد من الطرفين ، حتى يسع له القول بالتساوي بين أمير المؤمنين ومقاتليه في الرأي والاجتهاد ، وأن كلاّ منهما مجتهد وله رأيه مصيباً كان أو مخطئاً ، غير أنَّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجراً واحداً.
ذاهلاً عن أنَّ المنقِّب لا يخفى عليه هذا التدجيل ، ويد التحقيق توقظ نائمة الأثكل ، وقلم الحقِّ لا يترك الأمّة سدىً ، وينبئهم عن أنّ اجتهاد القوم ـ إن صحّت الأحلام ـ اجتهاد في مقابلة النصِّ النبويِّ الأغرِّ.
وليت شعري كيف يخفى الأمر على أيِّ أحد؟ أو كيف يسع أن يتجاهل أيُّ أحد وبين يدي الملأ العلمي قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لزوجاته : «أيتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب ـ وهو كثير الشعر ـ تخرج فينبحها كلاب الحوأب ، يُقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت تُقتل؟» (١).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهنَّ : «كيف بإحداكنَّ إذا نبح عليها كلاب الحوأب؟» (٢).
__________________
(١) أخرجه البزّار ، أبو نعيم ، ابن أبي شيبة [١٥ / ٢٦٥ ح ١٩٦٣١] ، الماوردي في الأعلام : ص ٨٢ [أعلام النبوّة : ص ١٣٦] ، الزمخشري في الفائق : ١ / ١٩٠ [١ / ٤٠٨] ، ابن الأثير في النهاية : ٢ / ١٠ [٢ / ٩٦] ، الفيروزآبادي في القاموس : ١ / ٦٥ [ص ١٠٦] ، الكنجي في الكفاية : ص ٧١ [ص ١٧١ باب ٣٧] ، القسطلاني في المواهب اللدنيّة : ٢ / ١٩٥ [٣ / ٥٦٦] ، شرح الزرقاني : ٧ / ٢١٦ ، الهيثمي في مجمع الزوائد : ١ / ٢٣٤ وقال : رواه البزّار ورجاله ثقات ، السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز : ٦ / ٨٣ [١١ / ٣٣٣ ح ٣١٦٦٧] ، الحلبي في سيرته : ٣ / ٣١٣ [٣ / ٢٨٥] ، زيني دحلان في سيرته : ٣ / ١٩٣ هامش الحلبية [السيرة النبويّة : ٢ / ٢٣٣] ، الصبّان في الإسعاف : ص ٦٧. (المؤلف)
(٢) أخرجه أحمد في مسنده : ٦ / ٥٢ [٧ / ٧٨ ح ٢٣٧٣٣] ، وابن أبي شيبة [في المصنّف : ١٥ / ٢٦٠ ح ١٩٦١٧] ، نعيم بن حمّاد في الفتن ، وعن الأخيرين : السيوطي في جمع الجوامع ، كما في الكنز : ٦ / ٨٤ [١١ / ٣٣٤ ح ٣١٦٦٨]. (المؤلف)