فكانا يخرجان ردحاً من الزمن إلى الشِّعْب ، وإلى حراء للعبادة ، ومكثا على هذا ما شاء الله أن يمكثا (١) ، حتى نزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) وقوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ). وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه الشريف ، فتظاهر عليهالسلام بإجابة الدعوة في منتدى الهاشميّين المعقود لها ، ولم يلبِّها غيره ، ومن يوم ذاك اتّخذه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخاً ووصيّاً ، وخليفةً ، ووزيراً (٢) ثمَّ لم يُلبِّ الدعوة إلى مدّة إلاّ آحاد ، هم بالنسبة إلى عامّة قريش والناس المرتطمين في تمرّدهم في حيِّز العدم.
على أنَّ إيمان من آمن وقتئذٍ لم يكن معرفةً تامّةً بحدود العبادات حتى تدرّجوا في المعرفة والتهذيب ، وإنّما كان خضوعاً للإسلام ، وتلفّظاً بالشهادتين ، ورفضاً لعبادة الأوثان. لكن أمير المؤمنين خلال هذه المدّة كان مقتصّا أثر الرسول من أوّل يومه ، فيشاهده كيف يتعبّد ، ويتعلّم منه حدود الفرائض ، ويقيمها على ما هي عليه ، فمن الحقِّ الصحيح إذن توحيده في باب العبادة الكاملة ، والقول بأنّه عَبَدَ الله وصلّى قبل الناس بسبع سنين.
ويحتمل أن يراد السنين السبع الواردة في حديث ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أقام بمكّة خمس عشرة سنة ، سبع سنين يرى الضوء والنور ويسمع الصوت ، وثماني سنين يوحى إليه (٣) ، وأمير المؤمنين كان معه من أوّل يومه ، يرى ما يراه صلى الله عليه وسلم ويسمع ما يسمع ، إلاّ أنَّه ليس بنبيٍّ كما مرّ في (ص ٢٤٠). فإن تعجب فعجبٌ قول الذهبي في تلخيص المستدرك (٤) (٣ / ١١٢) : إنّ النبيّ من أوّل ما أوحي إليه آمن
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٢ / ٢١٣ [٢ / ٣١٣] ، سيرة ابن هشام : ١ / ٢٦٥ [١ / ٢٦٣] ، راجع : ص ٢٣٥ من هذا الجزء. (المؤلف)
(٢) راجع الجزء الثاني من كتابنا : ص ٢٧٨ ـ ٢٨٤. (المؤلف)
(٣) طبقات ابن سعد : ص ٢٠٩ طبع مصر [١ / ٢٢٤]. (المؤلف)
(٤) تلخيص المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٢١ ح ٤٥٨٥.