وأمّا ما رواه أبو نعيم والخطيب (١) : أنَّ عليّا الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سُئل عن حديث : «إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذرّيتها على النار». فقال : «خاصٌّ بالحسن والحسين» وما نقله الأخباريّون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون ، وقوله : «ما أنت قائل لرسول الله؟ أغرّك قوله : إنَّ فاطمة أحصنت ...؟ إنّ هذا لِمن خرج من بطنها لا لي ولا لك ، والله ما نالوا ذلك إلاّ بطاعة الله ، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته ، إنَّك إذاً لأكرم على الله منهم». فهذا من باب التواضع والحثّ على الطاعات وعدم الاغترار بالمناقب وإن كثرت ، كما كان الصحابة المقطوع لهم بالجنّة على غايةٍ من الخوف والمراقبة ، وإلاّ فلفظ ذرّية لا يختصُّ بمن خرج من بطنها في لسان العرب (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) (٢). الآية. وبينه وبينهم قرون كثيرة ، فلا يريد بذلك مثل عليِّ الرضا مع فصاحته ومعرفته لغة العرب ، على أنَّ التقييد بالطائع يبطل خصوصيّة ذرّيتها ومحبّيها ، إلاّ أن يُقال : لله تعذيب الطائع فالخصوصيّة أن لا يُعذِّبه إكراماً لها. والله أعلم (٣).
وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن عليٍّ رضى الله عنه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة : يا فاطمة تدرين لِمَ سُمِّيتِ فاطمة؟ قال عليٌّ رضى الله عنه : لِمَ سُمِّيت؟ قال : إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد فطمها وذرّيتها عن النار يوم القيامة».
وقد رواه الإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده (٤) ولفظه : «إنَّ الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبّهم من النار» (٥).
__________________
(١) تاريخ بغداد : ٣ / ٥٤ رقم ٩٩٧.
(٢) الأنعام : ٨٤.
(٣) بقيّة العبارة مرّت ص ١٧٦. (المؤلف)
(٤) مسند الإمام الرضا : ١ / ١٤٣ ح ١٨٥.
(٥) عمدة التحقيق تأليف العبيدي المالكي المطبوع في هامش روض الرياحين لليافعي : ص ١٥ [ص ٢٦]. (المؤلف)