وفيهم من يكتبه اليوم تبرّكاً به ، ففي أيٍّ منها يجد ما يحسبه الزاعم من الغلط الفاشي؟ أو خلّة في الكتابة؟ أو ركّة في الأسلوب؟ أو خروج عن الفنّ؟ غير طفائف يزيغ عنه بصر الكاتب الذي هو لازم كلِّ إنسان شيعيّ أو سنّي ، عربيّ أو عجميّ.
وأحسب أنَّ الذي أخبر القصيميّ بما أخبر من الطائفين في بلاد الشيعة لم يولد بعدُ ، لكنَّه صوّره مثالاً وحسب أنَّه يحدِّثه ، أو أنّه لمّا جاس خلال ديارهم لم يزد على أن استطرق الأزقّة والجوادّ (١) فلم يجد مصاحف ملقاةً فيما بينهم وفي أفنية الدور ، ولو دخل البيوت لوجدها موضوعة في عياب وعلب ، وظاهرة مرئيّة في كلِّ رفٍّ وكوّة على عدد نفوس البيت في الغالب ، ومنها ما يزيد على ذلك ، وهي تُتلى آناء الليل وأطراف النهار.
هذه غير ما تتحرّز به الشيعة من مصاحف صغيرة الحجم في تمائم الصبيان وأحراز الرجال والنساء ، غير ما يحمله المسافر للتلاوة والتحفّظ عن نكبات السفر ، غير ما يوضع منها على قبور الموتى للتلاوة بكرةً وأصيلا وإهداء ثوابها للميِّت ، غير ما تحمله الأطفال إلى المكاتب لدراسته منذ نعومة الأظفار ، غير ما يُحمل مع العروس قبل كلِّ شيء إلى دار زوجها ، ومنهم من يجعل ذلك المصحف جزءً من صداقها تيمّناً به في حياتها الجديدة ، غير ما يؤخذ إلى المساكن الجديدة المتّخذة للسكنى قبل الأثاث كلِّه ، غير ما يوضع منها إلى جنب النساء لتحصينها عن عادية الجنِّ والشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم ـ ومنهم القصيميّ مخترع الأكاذيب ـ زخرف القول غروراً.
أفهؤلاء الذين لا يرفعون بالقرآن رأساً؟ أفهؤلاء الذين يندر جدّا أن توجد بينهم المصاحف؟ وأمّا ما أخبر به الرجل شيطانه الطائف بلاد الشيعة من عدم وجود من يحفظ القرآن منهم ، فسل حديث هذه الأكذوبة عن كتب التراجم ومعاجم السِّيَر ،
__________________
(١) الجوادّ : جمع جادّة.