وإنَّك لو راجعت كتب الإماميّة لوجدتها مفعمة بالاستشهاد بالآيات الكريمة ، كأنّها أفلاك لتلك الأنجم الطوالع ، غير مغشّاة بلحن أو غلط.
وما كنّا نعرف حتى اليوم أنّ مقياس التلاوة صحيحةً أو ملحونةً هو النزعات والمذاهب التي هي عقودٌ قلبيّة لا مدخل لها في اللسان وما يلهج به ، ولا أنّ لها مساساً باللغة ، وسرد الكلمات ، وصياغة الكلام ، وحكاية ما صيغ منها من قرآن أو غيره.
وليت شعري ما حاجة الشيعة في إصابة القرآن وتلاوته [تلاوة] (١) صحيحة إلى غيرهم؟ ألإعواز في العربية؟ أو لجهل بأساليب القرآن؟ لاها الله ليس فيهم من يتّسم بتلك الشية ، أمّا العربيُّ منهم فالتشيّع لم ينتأ بهم عن لغتهم المقدّسة ، ولا عن جبلّيّات عنصرهم ، أوَهل ترى أنَّ بلاد العراق وعاملة وما يشابههما ، وهي مفعمةٌ بالعلماء الفطاحل والعباقرة والنوابغ ، أقلّ حظّا في العربيّة من أعراب بادية نجدٍ والحجاز أكّالة الضبِّ ، ومساورة الضباع؟! وأمّا غير العربيّ منهم فما أكثر ما فيهم من أئمّة العربية والفطاحل والكتّاب والشعراء ، ومن تصفّح السِّيَر علم أنّ الأدب شيعيّ ، والخطابة شيعية ، والكتابة شيعية ، والتجويد والتلاوة شيعيّان. ومن هنا يقول ابن خلّكان في تاريخه في ترجمة عليّ بن الجهم (٢) (١ / ٣٨) : كان مع انحرافه عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإظهاره التسنّن مطبوعاً مقتدراً على الشعر عذب الألفاظ. فكأنَّه يرى أنَّ مطبوعيّة الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصّة للشيعة وأنّه المطّرد نوعاً.
وهذه المصاحف المطبوعة في إيران والعراق والهند منتشرة في أرجاء العالم ، والمخطوطة منها التي كادت تُعَدُّ على عدد من كان يحسن الكتابة منهم قبل بروز الطبع ،
__________________
(١) الزيادة يقتضيها السياق.
(٢) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٥٥ رقم ٤٦٢.