ـ فضلاً عن أن يكون أعلم بكثير منهم ـ لكان هذا النصّ الصريح مجازفة في القول.
لا سيّما وأنّ الهتاف به كان له مشاهد ومواقف منها مشهد يوم الغدير ، وقد ألقاه صاحب الرسالة على مائة ألف أو يزيدون ، وهو أكبر مجتمع للمسلمين على العهد النبويّ ، هنالك نعى نفسه وهو يرى أمّته ـ وحقّا ما يرى ـ قاصرةً ـ ولن تزال قاصرةً ـ عن درك مغازي الشريعة ، فيجبره ذلك بتعيين الخليفة من بعده.
وهذا الحديث من الثابت المتواتر الذي لا يعترض صدوره أيّ ريب ، وللعلاّمة السمهودي كلام حول هذا الحديث أسلفناه (ص ٨٠).
وكان يرى صلىاللهعليهوآلهوسلم مسيس حاجة أمّته إلى الخليفة من يوم بدء دعوته ، يوم أمر بإنذار عشيرته كما مرَّ حديثه (٢ / ٢٧٨) (١) ، وممّا يماثل هذا النصّ حديث سفينة نوح ، حيث شبّه فيه نفسه وأهل بيته ـ ويريد الأئمّة منهم ـ بسفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، فحصر النجاة باتّباعهم المستعار له ركوب السفينة ، ولولا أنّ لهم علوماً وافيةً بإرشاد الأمّة ، وأنّها لا تهتدي إليها إلاّ بالأخذ منهم ، لما استقام هذا التشبيه ولا اتّسق ذلك الكلام.
ومثله حديث تشبيهه صلىاللهعليهوآلهوسلم أهل بيته بالنجوم ، فأهل بيته أعلامٌ وصوىً (٢) للهداية يُهتدى بهم في ظلمات الغيّ والخلاف ، كما أنّ النجوم يُهتدى بها في غياهب الليل البهيم ، ولولا أنّهم أركان العلم والهداية لما يتمّ التمثيل.
ولو كان علم الأمّة اليوم بالقرآن والسنن أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلّ أولاد عليّ ـ كما زعمه المسكين ـ فكيف خفي ذلك على رسول الله ، فقال وكأنّه لم يعرف أمّته : «أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب»؟
وكيف اتّخذه وعاء علمه وبابه الذي يُؤتى منه؟
__________________
(١) في الطبعة الثانية. وصفحة ٢٥١ من الأولى. (المؤلف)
(٢) الصوى : جمع صوّة ، وهي العلامة يُستدلُّ بها على الطريق.