ومتى أحاط هو بعلم عليّ وأولاده عليهمالسلام وبعلم الأمّة جمعاء؟ حتى يسعه هذا التحكّم الباتّ والفتوى المجرّدة؟
والعجب أنّه يرى أنّ الأمّة إذا وقعت حادثة يُري الله لواحد منها الحكم وصواب الجواب ، وأنّها ورثت نبيّها ، ورشدت ببركة الرسالة ، وبها وبكتابها ماثلت نبيّها في العصمة ، وأنّها معصومة بعقلها العاصم ، فما بال الأئمّة ـ عليّ وأولاد عليّ ـ لا يكونون من أولئك الآحاد الذين يُريهم الله الحق والصواب؟ وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟ وليس لهم شركة في علم الأمّة؟ ولم تشملهم بركة الرسالة وكتابها؟ ولا يماثلون النبيّ في العصمة؟ ولا يوجد عندهم عقل عاصم؟ وأعجب من هذه كلّها هتافُ الله بعصمتهم في كتابه العزيز : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١) (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢).
ولعلّي يسعني أن أقول بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أبصر وأعرف بأمّته من صاحب هذه الفتاوى المجرّدة ، وأعلم بمقادير علومهم وبصائرهم ، فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية أمّته من بعده الثقلين : كتاب الله وعترته ـ ويريد الأئمّة منهم ـ وقال : «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» ، فحصْرُ الهداية بالتمسّك بهما واقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يفيدنا أنّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمّة ، وأنّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الأمّة ، وهي غير معصومة من الخطأ ولم تكشف لها حجب الغيب ، مبلغاً يستغنى به عمّن يرشدها في مواقف الحيرة.
فأئمّة العترة أعدال الكتاب في العلم والهداية بهذا النصّ الأغرّ ، وهم مفسّروه والواقفون على مغازيه ورموزه ، ولو كانت الأمّة أو أنّ فيها من يضاهيهم في العلم والبصيرة
__________________
(١) الملك : ١٤.
(٢) محمد : ٢٤.